22-09-2019 11:19 AM
بقلم : المحامي علاء مصلح الكايد
مع التطور التقني الذي يشهده العالم برزت نماذج مؤثرة على الساحة سميت إصطلاحاً بـ "جماعات الضغط " أو " الجماعات الضاغطة " و فاقت في تأثيرها ما تمتلكه الجماعات المؤسسية و المنظمة كالاحزاب و النقابات و مؤسسات المجتمع المدني رغم عشوائيتها .
و لا بدّ من الإعتراف بقيمة هذه الجماعات و تعاظم تأثيرها على مجريات الأحداث حتى باتت تحرك المجالس النيابيّة و أصبحت السلطات تنصت لها و تهتمّ ، و باتت القوى المدنية تتبعها و تنقاد خلفها في بعض الأحيان ، و تقسم هذه الجماعات إلى نوعين طارئٍ و إستراتيجيّ ، و لم نلمس في بلادنا وجوداً للنوع الثاني صاحب الأهداف بعيدة المدى .
و يبرز تأثير هذه الجماعات في دولة كالأردن إذ تعد من أعلى الدول حول العالم في انتشار مواقع التواصل الاجتماعي وعلى رأسها موقع فيسبوك بنسبة مستخدمين تقدر ب ٩٦% من عدد السكان ، و هنا تمكن أهمية دراسة هذه الجماعات و طريقة تكوينها التي يغلب عليها الطابع العفويّ و العاطفيّ ، و كذلك مطالعة مصادر و أدوات قوتها و إستخدام ذات الأدوات في التعامل مع هذه الظاهرة بفطنة و ذكاء و مخاطبة مصادرها الطّارئة بلغة الإقناع و الجدّيّة .
وكما في القوى المنظمة ، تتحرك الجماعات الضاغطة على شكل مصفوفة متداعية لكنّ الفوارق تكمن في عدة أوجه منها نواة التحرّك و هدفه الحقيقيّ و عنصر المفاجئة و المُحرّك الذي هو في الغالب حدثٌ يثير عاطفة الجماعات الضاغطة بلا مقدمات ، بينما في الجماعات المنظمة هو هدف استراتيجي أو حاجة مطلبية واضحة التفاصيل و سبق أن صُرِّحَ بها .
و هذا ما يُصعِّب على المختصين إمكانية تطويق الحدث و التفاوض مع من يتبناه و مقارعة الحُجة بالحجة كما في الجماعات المنظمة واضحة البُنية العمودية و الأفقية ، و هذا ما يستوجب حساسية أكبر لإستشعار تبعات أي حدث و التعامل معه بمنتهى الشفافية و السرعة و تغيير الصورة النمطية للجمهور في ذهن السلطة و كذلك تبديل أدوات التعاطي الرسمية التقليدية مع الجمهور .
فهذه الظاهرة عصية على كبح جماحها ، و قد أفلحت السلطة العامة في التعامل مع بعضها ولكن بقيت السمة العامة في الكثير من الأحداث تعاني إمّا الإنكار الرسميّ أو التأخر في إظهار الحقائق اللّازمة لإطفاء العاطفة السطحية تماماً كما جرى على سبيل المثال في " حادثة الجفر " إذ إنقلب المزاج العامّ من متعاطفٍ و ساخط إلى متفهّمٍ و راشد لكن بعد مدّة ليست بالقصيرة و كذلك ما عُرِفَ بـ " ذهب عجلون " .
و إن حيّز تمدُّد هذه الظاهرة هو الفراغ أو النّفي المطلق ، ما يوجب على المعنيّين مراجعة الأحداث و تقييم طرق التعامل معها و نتائج كل طريقة وصولاً إلى السبيل الأنجع في إستيعابها بجاهزية على طريقة إدارة الأزمة .
لقد باتت هذه الجماعات أمراً واقعاً لا يمكن تجنبه أو تجاهله ، و لا يمكن فرزها في إطار واحد فهي متغيّرة و متنوّعة وفقاً للحدث و الشريحة التي تهتمّ به ، لذا فإن تجاهلها أو إضاعة الوقت في تبويبها سيجعل منها مارداً مزاجيّاً لن تفلح الأساليب كافة في معالجته و حسن التعامل معه .
و عليه ، لا بدّ من إستغلال الفراغ في توجيه الرأي العامّ نحو الحقائق و المعلومة الصادقة ، و إذا ما ترسّخت الثقة بين السلطة و الجمهور سيكون من السهل ترويج الخطط و الأفكار وحتى شرح المشكلات و المعطّلات و كسب الوقت للعمل عليها بأريحيّةٍ و إنسجام .
و عندها ، من الممكن أن تتحول الجماعات الضاغطة إلى عنصرٍ فعّالٍ يخدم أهداف الدولة و يسيرُ في فلكها ، و لن يقتصر دورها في تلك المرحلة على مناكفة الحكومات و معارضة توجهاتها و سياساتها .