09-10-2019 09:19 AM
بقلم : المهندس عامر عليوي
سألت أحد الزملاء هذا الصباح مطمئناً عنه، كيف حالك؟ فأجابني: لا أعرف والله، استغربت جوابه وبادرته بسؤال اخر مستنكراً رده، كيف لا تعرف حالك؟! فرد علي قائلاً؛ كثيرون منا لا يعرفون حالهم في هذا البلد "طاسه وضايعة " الله وكيلك، لا يوجد شيء مستقر على حاله، تبسمت ولم ارد عليه وطول الطريق الى مكان عملي وانا افكر بعبارته التي ما زلت اسمعها من أيام جدّي الله يرحمه وهي تعود لقصة قديمة وشكله الطاسة من وقت ما صنعوها وهي ضايعة، غريبة هذه الشغلة!!!، والسؤال الّي محيرني: معقول طاسة تضل ضايعة كل هالعمر وما حدا يلاقيها، معقول ما فتشوا عليها؟!!!
معظمنا يشعر بالإحباط، ولدى الكثير منّا رغبة في إحالة ذاكرة عقلة الى التقاعد المبكر بناء على طلبه لأن الواقع مؤلم جداً ومش فاهمين شو الّي قاعد بصير، فهل حالتنا طبيعية أم ان اعدائنا -كوننا نؤمن كثيراً بنظرية المؤامرة- برشوا في الجو مواد تعكر المزاج، وتزيد من الاحباط لدينا؟!
نرجع للطاسة: الطاسة كلمة أصلها فصيح، ورد في (لسان العرب) أن (الطاس إناء يوضع فيه الماء أو اللبن) وفي المأثور الشعبي أضيفت له تاء التأنيث (الطاسة) ولا أظن هذا غير من فصاحتها، أما المثل نفسه فيدل على الضياع والإحباط ويستشهد به في عدة مواقف وأحوال، مما يكثر فيه التسيب والإهمال، وترك الحبل على الغارب ويضرب هذا المثل عند انتشار الفوضى وعدم تحديد المسؤوليات وللمثل قصص كثيرة أشهرها طاسة حمامات السوق الشامي، تقول القصة؛
ذات مرة كان الحمام يغص بالرجال المستحمين، فجأة توقف سكب الماء وما زال على اجساد المستحمين ورؤوسهم وعيونهم الصابون وليس من ماء لشطفها…وساد الهرج والمرج…وعمت الفوضى والصراخ في الحمام…صرخ أحدهم: "شو صار يا شباب"؟!!! فأجابه أخر: "ضاعت الطاسة يا عم"، بقي المشهد في الحمام نتيجة فقدان الطاسة وعدم القدرة على العثور عليها لضعف الرؤيا بسبب البخار الكثيف الموجود في الحمام كما هو، فوضى عارمة وضجيج وصراخ وشتائم، رجال شبه عراة في الحمام الا من مئزر…وما زالت اجسادهم بحاجة الى تنظيف بانتظار عودة أحد المدلكين الذي ذهب ليبتاع طاسة اخرى…والدنيا ليل وما في حدا فاتح!!! وهكذا ذهبت مثلاً: "طاسة وضايعة".
في الحياة منحدرات ومنعطفات ومطبات وتحويلات ودهاليز وسراديب، تجعل الإنسان يعيش في دوامة، حتى يشعر أن "الطاسة ضايعة" فمتى ضاعت الأمور واختلطت، وأسند الأمر لغير أهله وفق الأهواء والمزاجية، اختلط الحابل بالنابل حتى "تضيع الطاسة" ويصبح الحق باطلاً والباطل حقًا، والمعروف منكرًا والمنكر معروفًا، وتنشأ بيئة خصبة لخلق الفتنة والاحتقان والكراهية والضغينة.
برأيكم في حد قاعد ببحث عن الطاسة هذه الأيام؟