26-10-2019 11:11 AM
بقلم : د. منذر عبد الكريم أحمد القضاة
التَّعَامل مَع الكثير مِن الأوضَاعِ في الأردُن أصبَح مِن خِلال تَداول النُّكتة وَنشْرِها، وَالتي أصبَحت للأسَف الشَّديد تَأخذ رَوَاجاً مُتَسَارعاً ، وَعلى نِطاقٍ وَاسعٍ ، والتي لم تَتْرُك بَاباً مُغلقاً إلا وَطرقته ؛ فَمنها مَا يتعلق بالأوضاع الاقتصادية ، أو السياسيَّة ، أو الاجتماعيَّة في المُجتمع ، وَحتَّى لَم تَسْلم مِنْهَا أمور الدِّين ، وَخاصة المُناسبات الإسلاميَّة ، وَعند اعلان شهر رَمضان ، أو الأعيَاد الإسلاميَّة من خلال تَداول النُّكات المُضحكة التي تَمس الإسْلام ، وَالتِي تَنْتَقِص مِن قِيمته، وَتؤدِّي إلى الطعنِ فيه .
وَقد استخدمت النُّكتة من قبل أعداء الأمَّة مُنذ زَمن طويل للتأثير على الشعوب العربيَّة ، وَزرع الفُرقة بينهم ، وَبناء الطبقية بين أفراد المجتمع الواحد ، وهي سِلاحٌ خَطير يَعمل في الأغلب على تشويهِ الحقيقة بقُدرتها العَجيبة عَلى اختراقِ الفئاتِ الشعبية ، وَسَلب إرادة المُتعاطي مع النُّكتة ، وَالتَّسليم بالكاملِ لِمُحتَوياتها .
وَيتم تداول النُّكت في الوقت الحاضر على نطاقٍ واسع في الأردن ممَّا يُعتبر دَلالة واضحة على قبولِ الكثير من أفرادِ المُجتمع الأُردني لهذا الفكر المريض .
وَتجد النُّكتة تأخذ طريقها بين النَّاس من خلالِ تَسارع ٍكَبيرٍ مُمنهَج في وسائلِ التَّواصل الاجتمَاعي ، من خلال تداولها عبر أجهزة الهَاتف الذكي، وَنشر الفيديوهات المفبركة ، والصور ، وَالبوستات ، وَتنتشر النُّكتة بسرعةٍ كبيرةٍ ، وَبطريقةٍ تَهكميَّةٍ ، وَبلغةٍ عاميَّةٍ وَمُفرداتٍ بَسيطةٍ ، وَبغض النَّظر عَن من يَعتبر أنَّ النُّكتة هي وسيلة فعالة في إيصالِ رسائل متعددة تهدف إلى التغيير والتعبير عن الرأي ؛ فهي وسيلة غير شرعية ، وقانونية ؛ للتعبير عن الإحساسات ، والأفكار المُحرَّمة ، وَالمكبوتة ، وَالممنُوعة ، والنُّكتة في المجتمع الأردني في مُعظمها تَسير في اتجاهٍ مُعيَّن ، تَعكس حَالة سَلبيَّة من إظهارِ الرفض ، والاحتقان ، وَالغضب من تردِّي الأوضاع الاقتصاديَّة ، والتعليق المُتَجنِّي على الأحداث والأوضاع الاقتصادية التي تَشهدها الدَّولة الأردنية ، وَمن مَظاهر النكتة المنتشرة في المجتمع الأردني الصُّورة الهَزليَّة ، وَرسمة الكاريكاتير من خلال الترميز ، والإشارة ، والإيحاء ، والتورية ، والتهكُّم غير المباشر، والتي تساهم في فرض حالة رفض الواقع ، وَالشعور بالاكتِئَاب ، وَالمرارة ، وَغسيل المُخ ، والتأثير على الفِكر ، وَسَلب الإرادة .
وَالنكتَة في هذه الأيام انعَطفت بِشكلٍ خَطير ؛ لهدمِ قيمِ المُجْتَمع ، مِن خلال تَشويهٍ وَاضح لصورةِ الحاكم ، والمسؤول ، وَالشيخ ، وَعَالم الدِّين ، وَالدُّعاة ، والمُعلِّم ، وَرجال الجيش والأمن ، وَالزوجة ، وَكبار السِّن ، وغيرهم ، والتَقليل من قِيمتهم ، وَالحط مِن قَدرِهم ، وَجعلهم أداة للسخرية والتندر ، وَالتَّفكُّه في المجالس ، وبالتالي مارست النكتة دورها المطلوب من أعداء الأمة بقوة في تفكيك المجتمعات، والنيل من الروابط الاجتماعية بين الأفراد .
وأصبح الكثير ممَّن يتلقى هذه النُّكت في مجتمعنا الأُردني على اختِلافِ مُستوياتهم الثقافية ، والعمرية يَقوم بنِشرها ، بِدون أيِّ وازعٍ دينيٍ أو خُلُقي ، وَتفاقم الأمر بِشدَّة ، وَأصبح التشكيك في الإنجازات الوطنية ، وهدم القيم الاجتماعية ، واغتيال الشخصيَّات المُبرمج، وَصناعة النموذج السيء كقدوة ، وَالبحث عن السَّعَادة المَزعومة من أهم سِمات وَمُخرَجات النُّكتة الأُردنيَّة.