26-10-2019 11:19 AM
بقلم : الدكتور سمير ايوب
بالتاكيد وبالقطع ان اهلنا في لبنان ، كل اهلنا يعشون ابشع انواع الظلم السياسي ، والبؤس الاقتصادي والاجتماعي ، واحقرانواع الفساد والافساد في كل مناحي حياتهم ، وهم بالتأكيد ككل شعوب الامة العربية ، اصحاب الحق في الحياة الافضل . ولكني هنا ، من واقع ما افهم ، ومما ارى واسمع ، ساذكِّر بأبشع خطط الشيطان الاكبر والتي أسماها " بالفوضى الخلاقة " .
تعد ترتيبات «الفوضى الخلاقة» من الاستراتيجيات الخطيرة التي تتبناها الولايات المتحدة من زمن ليس بالبعيد ، لادارة مصالحها في الوطن العربي ، وهي ذات اذرع شيطانية اخطبوطية مستدامة ، لتوجيه مصالحها وادارة أهدافها في الوطن العربي .
لقد أدخلت هذه الاستراتيجية ، مساراتها العملية في التطبيق ، بعدما كانت أميركا حماية لمصالحها ، تتعامل مع المنطقة وفق آليات التدخلات العسكرية المباشرة . ولكن ، بعد أن وجدت أن تلك الآليات مكلفة من كل النواحي ، ارتأت اعتماد ادوات جديدة أقل كلفة ، وأقصر طرقا وأبسط . ومن دون تدخل عسكري مباشر من جانبها ، اطلقت عليها تسميات كثيرة مترادفة ، لعل اشهرها " هو الفوضى الخلاقة " .
برزت هذه الاستراتيجيات لادارة منطقتنا الحساسة الى العلن ، عام 2003، بعد أن لاحظت النخب المتحكمة في الاستراتيجيات ، ارتباك السياسة الأميركية في هذه المنطقة على الخصوص .
تنطلق هذه الاستراتيجيات من أفكار تعكس فلسفة تعتمد الواقع أكثر مما يمليه الذهن ، أي جعل الأسبقية والرجحان للواقع . وفقا لهذه الفلسفة يمكن تحديد الاسس المحورية في نظرية «الفوضى الخلاقة» لاعادة صياغة شرق اوسط جديد ، وفق ما صرح به اكثر من مسؤول اميركي ، بما يلي :
حاجة وضرورة . * التغيير الكامل في الشرق الأوسط
* لا تتم إعادة البناء ، إلا بهدم الأسس والتقاليد القديمة .
* إبعاد الجهد الأميركي المباشر في هذا التغيير القسري ، والاكتفاء بصياغة وتنظيم بناء النظام السياسي في هذه الدول .
لا شك في أن شعوب الامة العربية ، تعيش حالياً مأساة تطبيق مراحل هذه الفلسفة الاستعمارية . صراعات داخلية وتشظيات من كل حدب وصوب ، طائفية ، مذهبية ، اثنية ، عرقية وعشائرية . وامتد هذا التشظي للأسف ، الى الكورة والطعام ولون غطاء الرأس واصول الزوجات والهوية والمواطنة والولاء والانتماء .
من مميزات هذه الدول السايكس بيكوية ، أنها تعاني من رجحان كفة الانتماءات الفرعية على كفة المواطنة . وبالتالي فان أي تغيير طفيف أو جذري ، قد يلحق بالنظام السياسي القائم فيها ، يدخل كل بناها السياسية - الاقتصادية - الاجتماعية - الثقافية في دوامة الفوضى والاضطرابات . وبالتالي جاء تصميم وتنفيذ الخطوات الامريكية للفوضى ، متناغمة مع ما تعيشه دول المنطقة من هذه الوقائع .
من خطوات التنفيذ ما يلي :
* إطلاق صراعات تتوافق مع التركيبة الديموغرافية للشعوب .
* ضرب مؤسسات الدولة ، باستبدالها بانتماءات وولاءات وتوافقات ، ذات صبغات متشظية ضيقة . ومن ثم إطلاق صراع العصبيات والهويات الصغرى بل والممعنة في الصغر .
* ومن خطوات هذه الاستراتيجيات أيضا ، خلق حالة عدم استقرار ، وإطالة أمد الاختلال الأمني ، وما قد يصاحبة من عنف دامٍ وهجرات وتهجير. يجعل جل شرائح المجتمع في حال من اليأس والضغط النفسي ، وهو العتبة الاولى للنظام الجديد الذي يولد من تفشي الفوضى .
* ارباك المنطقة بموجات اعلامية ، مدعومة بكل ما من شأنه تحقيق اهداف هذه الاستراتيجيات الشيطانية .
للأسف الشديد ، تحت مظلة الغباء الرسمي والشعبي العام والخاص ، تم تطبيق مجمل هذه الخطوات في الكثير من مواطِنِ العرب ، والبعض منها ، آخذ طريقه إلى التطبيق ، والظاهر حتى الان ان لبنان بات في اللجة الان .
وتمثّل شبكات الأجهزة الخفية العالمية والقُطْرِية المتعاونة معها ، الأداة الرئيسة في التطبيق ورسم المسارات . كما أن هذه المنظومة المنظمة وتلك ، المتواجدة في مفاصل حياة المنطقة برمتها ، هي الأداة المباشرة في إدامة زخمها ، من الناحية اللوجستية والعملياتية غير المباشرة .
أن استراتيجيات «الفوضى الخلاقة» الفتاكة ، لا تستهدف فقط حفظ مصالح الطامعين في منطقتنا ، وحماية عدونا الصهيوني ، التي يسوق إليها إعلامياً ، بل بالقطع والتأكيد ، تتعداها إلى تغيير كامل لنمط وسلوكيات ومعتقدات شعوب هذه المنطقة ، واستبدال ثقافاتها بثقافات تراها ضرورية ، لصيرورة نظام عالمي جديد .
الحذر الحذر ، فنحن وما يجري في لبنان الان ، قد نكون في دوامة مرحلة من مراحل تطبيق هذه الاستراتيجيات الشيطانية ، التي خلفت الكثير من المآسي والمحن والصدع ، في بنى البلاد التي اجتاحتها بقسوة .