26-10-2019 02:32 PM
بقلم : د. ابراهيم العابد العبادي
بداية وكمدخل يرتبط بعنوان المقال...ليس المقصود بقصر النظر او ما يسمى بالحسر Myopia باعتباره أحد أشكال ضعف البصر ... رغم أن فريق من العلماء في جامعة ماينتس الالمانية.. توصل الى كشف علاقة بين المعرفة والذكاء وقصر النظر.. كما يؤكد العلماء أن الذكاء لا يرتبط مباشرة بقصر النظر، لكن الاخير يزداد عند الاشخاص الذين يتمتعون بتحصيل علمي عال.
محور الموضوع هو قصر النظر الاداري، والذي قد يكون بقصد أو دون قصد، وفي كلا الأمرين النتيجة كارثية ووبال على المجتمع او المنظمة او المؤسسة التي تحكمها او تديرها ادارة قصيرة النظر...وفي فحوى الموضوع فقد اورد كتاب بعنوان المشهد الاردني في المرحلة الجديدة صادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، عام 2009 ، من تأليف مجموعة من الاعلام اصحاب المعالي الكتاب والاكاديميين والباحثين... ويشكل محتوى الكتاب مجموعة من المحاضرات المتعلقة بالقضايا الاقتصادية والاجتماعية في الاردن على مدار ثلاث سنوات قبل طباعة الكتاب.. هذا المصطلح لم أكن السباق اليه، بل جاء به دولة الرئيس الدكتور عمر الرزاز في كتاباته... وتحديداً بحث لدولة الرئيس الدكتور الرزاز، يتناول موضوع الضمان الاجتماعي...حيث يتناول ضمن السياق مصطلح (قصر النظر الاقتصادي) واثره على مجمل استثمارات الضمان...كما يتناول عدد من المصطلحات التي شكلت مرتكزات عمل الحكومة الحالية ومنها (العقد الاجتماعي، دولة القانون والمؤسسات، العدالة الاجتماعية والتكافل) والتي استخدمت كاطار نظري يبحث قضية الضمان الاجتماعي تحديداً....ولن نتوقف عند ذلك رغم اختزال عمل ورؤية واهداف الحكومة بوجهة نظر شخصية لدولة الريس.. وعلى ما يبدو والله اعلم من الشواهد أن مجلس الوزراء لم يشارك الا في مباركة الخطة. أو انه معطل ولا يناقش او غير مؤهل ...من وجهة نظر جهة ما.
هناك خصائص وسمات تشكل المرتكزات الاساسية الواجب توافرها في ادارة المنظمات فما بال الحكومات المعنية بإدارة مفاصل الدولة ومنظماتها وافرادها... وفي مقدمة هذه الخصائص والسمات امتلاك بعد النظر...فالإدارة التي تعاني من داء قصر النظر ومحدودية الرؤية .. ! كما تتفاقم المشكلة اذا اقتنعت وخدعت هذه الادارة بمكاسب آنية سريعة...أو تحقيق أهداف متواضعة ...تجعلها تعتقد أنها في تسير في الاتجاه الصحيح...الا أنها بالحقيقة الحتمية تقود البلاد والعباد نحو الهاوية وبلا رجعة.
الإدارة قصيرة النظر مؤكد افتقادها للحكمة في التعامل مع المعطيات وعدم الولاء والانتماء ...بل تنشغل في تحقيق مصالحها الشخصية والذاتية ...او مصالح و اهداف جهات اخرى...فقصر النظر هو مظهر لغياب الرؤية وانعدام الاهداف ، ونمط يدل على العمر القصير للإدارة...! فهي عاجزة عن التعامل او حتى القدرة على ادراك المتغيرات التي تحدث على المستويين المحلي او الخارجي.. كما تفقد القدرة في حسن التدبير واستغلال الفرص المتاحة للتطوير والتحديث...وعادة الفرص تتشكل في اوقات معينة ولكنها تتطلب رؤية ثاقبة وبعد نظر لتطويعها ضمن مفهوم التخطيط الاستراتيجي والبناء للمستقبل الذي يغيب عن ساحة الادارة حاليا.
الاردن، ومنذ فترة ليست قصيرة يمر بأزمة اقتصادية تتفاقم نتيجة ضغوطات واحتياجات اجتماعية داخلية ...تتطلب وجود استراتيجيات واضحة للحكومات ، كما تعاني الادارة الاردنية ازمة في إدارة الازمات ، وتتعقد الامور بظهور واستغلال البعض للظروف والتجاوز من سب وشتم وتبني اشاعات ونقل اخبار غير موثوقة واثارة النعرات الاقليمية والعنصرية عبر منصات التواصل الاجتماعي.. بهدف تأزيم الاوضاع ودفعها نحو الاسواء...والغريب ان الادارة الحكومية تتعامل بطريقة عدم الاهتمام أو الاكتراث، كما يرى او يظهر للمواطن العادي...بل وصلت الى حد أن الحكومة ترى الشعب جاهل او معدوم الثقافة السياسية والقدرة على التفكير اقتصاديا مما يعمق ويوسع الهوة بين النظام والشعب .
ختاماً، اذا حسُنت النوايا فانه يمكن ادراك الوضع، ولكننا نحتاج الى توفر عدد من المرتكزات والمقومات تتمثل بالدرجة الاولى بالإرادة السياسية من قمة الهرم بالدولة، واعادة تفعيل الدستور، والسعي نحو اصلاح سياسي حقيقي، وبناء تشاركية حقيقية وفعلية في صنع القرار السياسي بين النظام والقاعدة الشعبية ممثلة بالأحزاب والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني...فهل نتعظ ونتعلم من تجاربنا بالأمس القريب وتجارب الأخرين في بعض دول الجوار والاقليم...ام تتعنت الحكومةوتضع نفسها بين مطرقة الأداء المؤسسي وسندان التطوير الاداري! حمى الله الاردن وطن عزيز وغالي.