حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
السبت ,4 يناير, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 14056

حرب .. أحلم بها

حرب .. أحلم بها

حرب ..  أحلم بها

20-02-2008 04:00 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم :

أنا يا حبيبة لم أبدل ثوبي منذ أسبوع ،أنا أذكر جيدا أنك من أخاط أزرته وقصر الأكمام ..... أنا لا زلت أذكرني حين كنت أراقبك ، كنت أخاف عليك من أبرة الخياط ، وكان شعرك الأشقر يتدلى علية وهو في حجرك ،فأنتشي ...

 

أتذكر أنك كنت تودين اعداد بدلتي العسكرية هذه للذكرى ، وأذكر كم فرحت بارتدائها للمرة الأولى ، أنا لا زلت أحسك فيها وأقبل الأزرار... ففيها منك ما أحب وما اليه أنتمي.... أذكر آخر قبلاتنا ، آخر احتضان....فلكم كان يعجبني احتضانك لثوب أنت لمستيه ، ولجسد أنت كنت قد باركتيه، ولرجل ، بين يديك تعمد  وكنت أنت التي ألهمتيه....وأنا يا حبيبة ، لهذا السبب لا أغير ثوبي هذا ، أني أود لو انني مت ، أن أدفن في ثوب عسكري مهيب ، مهيب لأنك أنت التي رتقتيه....

 

 

وأرجوك المعذرة ، فلقد كانت ساعة الصفر قبل الفجر بقليل ، وكنت لا أود لك أن تفزعي ، وما كان من أمر عودتك للريف الا تدبير مني لتبتعدي عن المدن التي ربما هي عرضة للقصف والصواريخ ، ولقد طمأنني الجنود الذين أرسلتهم   لتأمينك ، أنك في منأى جيد ، وأخبروني أين تكونين.... فاليك أنت ستكون عودتي واليك ستكون نهاية المسير ...

 

 وأنا أعتذر ،اليك يا صديقة العصافير، أعتذر...  فالحرب كانت قد بدأت ولم تباركيني بقبلة منك ، أوابتسامة ... ورغم أن في حياتنا الملايين منهن الا أنني كنت أود لو أنني  منك أنت ، قد تزودت بزاد قبل ابتداء الرحيل ، أعذريني يا غاليتي ، فلأنك أنت ، سأرفض الموت الا ما بين ذراعيك....وسأصنع لذلك كل المستحيل...

 

لو تعلمين كم يطربني صوت المدافع ، كان هذا حلمي منذ الصغر ، وقد كانت خطتي أيتها السيدة الراقية ، كالآتي ... كنت قد أمرت سلاحي الجو في مصر والشام أن يبدآن القصف المكثف ، أخرجت لأولئك اللصوص ثلاثون الف طائرة ، ولم يمض سوى أربع وعشرون ساعة حتى تدمرت كل دفاعاتهم الأرضية ومنصات الصواريخ ، وقد كانت الضربة الأولى لمفاعلهم النووي اللعين في ديمونا ، وحين أتاني الجنرالات بصوره مدمرا ، كنت أتمنى لو أنني أقف بين أيدي الشهيد صدام وكل العراقيين ، كنت أود لو أتيح لي أن أقول لهم ها أنني قد أنتقمت ...ثم أبكي....فقط أبكي....

 

ثلاثة أيام من القصف الجوي لكل قطاعاتهم المدرعة ، وما يدهش ، أبناؤنا الطيارون العرب هؤلاء ، أسود هم يا حبيبتي ، كم فخور أنا بهم ، أود لو أقبلهمم جميعا ، أنهم أسيادنا ، أنهم الرائعون....

 

من البحر يا حبيبتي ، كنت قد طلبت من ولاة الجزائر والمغرب ، ارسال الأسطول البحري كاملا ، كان الاسطول المغربي قد استقر في منتصف المتوسط لقطع أي امداد غربي ، وقد نجحوا بذلك أيما نجاح ، واستطاعوا تدمير معظم القطع الفرنسية والبريطانية والأمريكية ، كم كنت سعيدا بذلك ، كم كنت سعيد ... فلقد  كنا ننتقم لأجدادنا من هؤلاء السفلة ، أنتقم لأهل مصر والجزائر والشام ، أنتقم لنساء الجبل وبنات الريف ...الأسطول الجزائري كان قد استقر قبالة شواطئ فلسطين ، وقاعدتة القيادية كانت في قبرص ، في اليوم الثاني للحرب ، كان الأميرال يخبرني ، بتدمير كل ألأسطول الأسرائيلي ، وفي اليوم الثالث كان أسطولنا العربي ، يأخذ من قواعده قاعدة له....

 

أما الأجتياح البري يا حبيبتي ، فقد كان في اليوم الرابع ، وطلبت فتح الجبهتين الشامية والمصرية ، دخل منا مئة وستة فيالق ، وكان العرب مليوني مقاتل ، ومئة ألف دبابة وعشرات الآف المدافع ، كان ذلك اليوم يا عزيزتي ، يوما للريح ، يوما للنجوم كي تتهاوى .... كان يوما للحب والثورة والنصر والعز والكبرياء ، كان يوما لله ، يوما للمظاليم ، يوما لاستعادة الشهداء دمائهم ، يوما لزغاريد الأمهات... وكان الرصاص يغني ، والرجال تغني ...المدافع والدبابات ... أما هم فقد خمدت كل أصواتهم اللعينة ، عنجهيتهم خمدت ، لؤمئهم ، ذلك التكبر القاسي ، التمادي بلا رادع ، تلك الوجوه اللصوصية والنظرات ،كان كل شيئ عندهم يخمد ، وعندنا كل شيئ كان يغرد ، وكان الرجال لا يهتفون الا باسم الله..... فالله كان دائما هو الأعظم ، هو الأكبر.....

 

أنا وحدي لم أفرح يا حبيبتي ، كنت لغيابك أبكي ، وكنت للأعوام الطويلة من الذل أبكي ، كنت لعيون الجدات الباكيات أبكي ... تذكرت يا حبيبه ، كل الذي كان ، تذكرت المخيمات والسجون والمنافي البعيدة ، تذكرت الجثث المجهولة والاغتيالات ، تذكرت صوت صدام ، تذكرت دماء العراقيين والفلسطينيين ، تذكرت كل دمائنا ، تذكرت دموع أبي في حرب الخليج ، تذكرت جراحة الداميات في فلسطين...تذكرت وتذكرت...وكنت أسأل ، لماذا كان كل الذي كان ،( أولم يكن بالأمكان خير من الذي كان)....

 

وما وددت يا حبيبتي أن أدخل القدس الا من جهة عمان ، كان ذلك في اليوم السادس للحرب ، ودخلتها من جهة الشرق ، لأن النصر لا يتأتى الا من الشرق ، كانت لحظتي العظمى تلك ، كانت لحظة للبهاء والكبرياء ،وكنت قد نزعت عني كل الأوسمة والرتب ، وخلعت قبعتي وحزامي وبسطاري ، أردت أن أدخلها أنا وكل الجنرالات والجنود ، ندخلها عراة الا من حبنا لله وللأوطان ، قبلت تراب بيت المقدس ، ركضت حافيا بين الأزقة ، بين الدور العتيقة ، كان أهل القدس يخرجون كالمجانين ، فرحا غير مصدقين ، وبينما كان الجنود ، يخلون جثث أولئك الكلاب ، كانت صبايا القدس ينثرنهم بالورد والقبلات .... وركضت ، نسيت من أنا ، نسيت أي مخاطر ، سرت والقادة جميعا حفاة نحو المسجد ، صلينا في حمأة الشمس ، لا يعلو صوة بكاءنا الا أصوات التكبيرات ، وصوت حصان عمر ، وقد بدا لي يحمل الشيخ الجليل الذي يتفقدني والجنود ، ويبارك كل هذه الانتصارات....

 

أنا يا غاليتي لا أذكر في هذا اليوم أحدا من بعد أمي الا أنت ، وأني ليعتريني شجن ، وحزن لطيف ....ولكم أدخن ، لم أشعر بطعم القهوة والسكائر يوما كما أشعر به اليوم ، الا أن غيابك عني هو شجني ، فأنا من قبلك ، كنت فارسا قد أعد مصحفه بالتفصيل وبات ينتظر آية الختام ... وحين أراد الله أن يرحم هذا الفارس النبيل ... سواك  أنت ....فكنت أجمل وأعز وأعظم   آياتي....

 

اليوم ، ها أنا أمر بتراب فلسطين ذرة ،ذرة...أمر على البيارات ، فأقبل الليمون والبرتقالات...أمر على شواطئ عكا ، وأقبل فيها من تاريخها كل المعجزات ، ومررت على الجليل ، وطبريا وحيفا ، قبلت كل القرى المندثرات ، اليوم...أعدت للأماكن أسمائها ، وللأرض اسمها ، وأعدت رسم الخارطة كما كان ينبغي دوما رسمها...اليوم ، أنظر للناس فأفرح ، أمر على الفقراء ، فأفرح ، أنا فرح لأن عهدا طويلا من السواد قد انتهى ، وليبدأ زمن جديد ... فرح ، لأن عمر الظلم ، على يد أحلامنا وحبنا  قد أنتهى...

 

أيا أنت، يا خير البدايات ،تأكدي...أنا لا تفارقني نظرات عيونك ، ابتسامتك الهادئة ، شعرك الأشقر الكثيف ـ لا يفارقني طيفك ، وأذكر ، كيف تبتسمين نحوي حين أتكلم وتنصتي ...

 

مذهل يا حبيتي منظر البحر هنا في فلسطين ، مذهل لأن كل السواري لا ترفع الا علما ، هو علم لأمة من المقهورين ، وصوت صفير الزوارق ، صور البوارج ، حاملات الطائرات ،الفرقاطات ،السفن المساندة ، كلها تبدو لي بيضاء ، عرائس في بحر أزرق تملأه النواميس.....

 

 

وأمر بين القطعات العسكرية ، آخذ فوطة وأحاول بنفسي تنظيف السبطانات ، اليوم ، احتسيت قهوة الصباح مع الجنود المنتصريين تحت ظل دبابة لهم مدمرة ، ثم ذهبت لطائرة مدمرة  هي الأخرى ، وكتبت أسمك ، ضحك المارشال الذي يرافقني ، فقلت له ، هل ترى ، أنا لولا العشق ما كنت قد بدأت....

 

ولولاها أنا يا أصدقائي ، كل هذا الحلم ما كنت قد كتبت ... والآن الساعة الثالثة صباحا ، ويبدو أنه لم يتبق في سوق الرابية الا أنا وأوهامي ، وسأذهب الآن لسريري البارد ، مجرد جسد مرهق وروح متعبة .... وسأقرأ في الصباح أخبار قتلانا وهزائمنا وعارنا ، وسأنكب على علاج الأسنان ... أنا لطالما أخبرتهم جميعا أنني لا أجد في داخلي لا طبيب ولا شاعر كاتب ، أنا لا أراني الا قائد جيش عظيم لدولة عربية حرة موحدة عظيمة ، أنما الأقدار ترفض أمنياتي ، وسأعود غدا لعملي مجرد طبيب أسنان ومجرد جسد يمارس الروتين البيولوجي المقيت....

 

حتى من أحبها ، لا تحبني ، أو بالأحرى ربما لن يمكنها واقعها في أي يوم من الأيام أن تحبني، ولذا يبدو الحب في أيامي مجرد وهم وحلم شفيف ، هو يشبه حلمي بحرب عظيمة ، انما ما يعزيني ، أن الحلم خير ألف مرة من هذا الواقع المقيت....

 

 

 

 

 

 

 

 

 

نني الجنود الذين أرسلتهم معك وأخبروني أنك في معزل آمن  








طباعة
  • المشاهدات: 14056
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
20-02-2008 04:00 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
برأيك.. هل تتحمل إيران مسؤولية "نشر الفوضى وتأجيج الفتن" في سوريا كما تتهمها جامعة الدول العربية رغم نفي طهران؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم