حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الخميس ,28 نوفمبر, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 14047

حرب .. أحلم بها

حرب .. أحلم بها

حرب ..  أحلم بها

20-02-2008 04:00 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم :

أنا يا حبيبة لم أبدل ثوبي منذ أسبوع ،أنا أذكر جيدا أنك من أخاط أزرته وقصر الأكمام ..... أنا لا زلت أذكرني حين كنت أراقبك ، كنت أخاف عليك من أبرة الخياط ، وكان شعرك الأشقر يتدلى علية وهو في حجرك ،فأنتشي ...

 

أتذكر أنك كنت تودين اعداد بدلتي العسكرية هذه للذكرى ، وأذكر كم فرحت بارتدائها للمرة الأولى ، أنا لا زلت أحسك فيها وأقبل الأزرار... ففيها منك ما أحب وما اليه أنتمي.... أذكر آخر قبلاتنا ، آخر احتضان....فلكم كان يعجبني احتضانك لثوب أنت لمستيه ، ولجسد أنت كنت قد باركتيه، ولرجل ، بين يديك تعمد  وكنت أنت التي ألهمتيه....وأنا يا حبيبة ، لهذا السبب لا أغير ثوبي هذا ، أني أود لو انني مت ، أن أدفن في ثوب عسكري مهيب ، مهيب لأنك أنت التي رتقتيه....

 

 

وأرجوك المعذرة ، فلقد كانت ساعة الصفر قبل الفجر بقليل ، وكنت لا أود لك أن تفزعي ، وما كان من أمر عودتك للريف الا تدبير مني لتبتعدي عن المدن التي ربما هي عرضة للقصف والصواريخ ، ولقد طمأنني الجنود الذين أرسلتهم   لتأمينك ، أنك في منأى جيد ، وأخبروني أين تكونين.... فاليك أنت ستكون عودتي واليك ستكون نهاية المسير ...

 

 وأنا أعتذر ،اليك يا صديقة العصافير، أعتذر...  فالحرب كانت قد بدأت ولم تباركيني بقبلة منك ، أوابتسامة ... ورغم أن في حياتنا الملايين منهن الا أنني كنت أود لو أنني  منك أنت ، قد تزودت بزاد قبل ابتداء الرحيل ، أعذريني يا غاليتي ، فلأنك أنت ، سأرفض الموت الا ما بين ذراعيك....وسأصنع لذلك كل المستحيل...

 

لو تعلمين كم يطربني صوت المدافع ، كان هذا حلمي منذ الصغر ، وقد كانت خطتي أيتها السيدة الراقية ، كالآتي ... كنت قد أمرت سلاحي الجو في مصر والشام أن يبدآن القصف المكثف ، أخرجت لأولئك اللصوص ثلاثون الف طائرة ، ولم يمض سوى أربع وعشرون ساعة حتى تدمرت كل دفاعاتهم الأرضية ومنصات الصواريخ ، وقد كانت الضربة الأولى لمفاعلهم النووي اللعين في ديمونا ، وحين أتاني الجنرالات بصوره مدمرا ، كنت أتمنى لو أنني أقف بين أيدي الشهيد صدام وكل العراقيين ، كنت أود لو أتيح لي أن أقول لهم ها أنني قد أنتقمت ...ثم أبكي....فقط أبكي....

 

ثلاثة أيام من القصف الجوي لكل قطاعاتهم المدرعة ، وما يدهش ، أبناؤنا الطيارون العرب هؤلاء ، أسود هم يا حبيبتي ، كم فخور أنا بهم ، أود لو أقبلهمم جميعا ، أنهم أسيادنا ، أنهم الرائعون....

 

من البحر يا حبيبتي ، كنت قد طلبت من ولاة الجزائر والمغرب ، ارسال الأسطول البحري كاملا ، كان الاسطول المغربي قد استقر في منتصف المتوسط لقطع أي امداد غربي ، وقد نجحوا بذلك أيما نجاح ، واستطاعوا تدمير معظم القطع الفرنسية والبريطانية والأمريكية ، كم كنت سعيدا بذلك ، كم كنت سعيد ... فلقد  كنا ننتقم لأجدادنا من هؤلاء السفلة ، أنتقم لأهل مصر والجزائر والشام ، أنتقم لنساء الجبل وبنات الريف ...الأسطول الجزائري كان قد استقر قبالة شواطئ فلسطين ، وقاعدتة القيادية كانت في قبرص ، في اليوم الثاني للحرب ، كان الأميرال يخبرني ، بتدمير كل ألأسطول الأسرائيلي ، وفي اليوم الثالث كان أسطولنا العربي ، يأخذ من قواعده قاعدة له....

 

أما الأجتياح البري يا حبيبتي ، فقد كان في اليوم الرابع ، وطلبت فتح الجبهتين الشامية والمصرية ، دخل منا مئة وستة فيالق ، وكان العرب مليوني مقاتل ، ومئة ألف دبابة وعشرات الآف المدافع ، كان ذلك اليوم يا عزيزتي ، يوما للريح ، يوما للنجوم كي تتهاوى .... كان يوما للحب والثورة والنصر والعز والكبرياء ، كان يوما لله ، يوما للمظاليم ، يوما لاستعادة الشهداء دمائهم ، يوما لزغاريد الأمهات... وكان الرصاص يغني ، والرجال تغني ...المدافع والدبابات ... أما هم فقد خمدت كل أصواتهم اللعينة ، عنجهيتهم خمدت ، لؤمئهم ، ذلك التكبر القاسي ، التمادي بلا رادع ، تلك الوجوه اللصوصية والنظرات ،كان كل شيئ عندهم يخمد ، وعندنا كل شيئ كان يغرد ، وكان الرجال لا يهتفون الا باسم الله..... فالله كان دائما هو الأعظم ، هو الأكبر.....

 

أنا وحدي لم أفرح يا حبيبتي ، كنت لغيابك أبكي ، وكنت للأعوام الطويلة من الذل أبكي ، كنت لعيون الجدات الباكيات أبكي ... تذكرت يا حبيبه ، كل الذي كان ، تذكرت المخيمات والسجون والمنافي البعيدة ، تذكرت الجثث المجهولة والاغتيالات ، تذكرت صوت صدام ، تذكرت دماء العراقيين والفلسطينيين ، تذكرت كل دمائنا ، تذكرت دموع أبي في حرب الخليج ، تذكرت جراحة الداميات في فلسطين...تذكرت وتذكرت...وكنت أسأل ، لماذا كان كل الذي كان ،( أولم يكن بالأمكان خير من الذي كان)....

 

وما وددت يا حبيبتي أن أدخل القدس الا من جهة عمان ، كان ذلك في اليوم السادس للحرب ، ودخلتها من جهة الشرق ، لأن النصر لا يتأتى الا من الشرق ، كانت لحظتي العظمى تلك ، كانت لحظة للبهاء والكبرياء ،وكنت قد نزعت عني كل الأوسمة والرتب ، وخلعت قبعتي وحزامي وبسطاري ، أردت أن أدخلها أنا وكل الجنرالات والجنود ، ندخلها عراة الا من حبنا لله وللأوطان ، قبلت تراب بيت المقدس ، ركضت حافيا بين الأزقة ، بين الدور العتيقة ، كان أهل القدس يخرجون كالمجانين ، فرحا غير مصدقين ، وبينما كان الجنود ، يخلون جثث أولئك الكلاب ، كانت صبايا القدس ينثرنهم بالورد والقبلات .... وركضت ، نسيت من أنا ، نسيت أي مخاطر ، سرت والقادة جميعا حفاة نحو المسجد ، صلينا في حمأة الشمس ، لا يعلو صوة بكاءنا الا أصوات التكبيرات ، وصوت حصان عمر ، وقد بدا لي يحمل الشيخ الجليل الذي يتفقدني والجنود ، ويبارك كل هذه الانتصارات....

 

أنا يا غاليتي لا أذكر في هذا اليوم أحدا من بعد أمي الا أنت ، وأني ليعتريني شجن ، وحزن لطيف ....ولكم أدخن ، لم أشعر بطعم القهوة والسكائر يوما كما أشعر به اليوم ، الا أن غيابك عني هو شجني ، فأنا من قبلك ، كنت فارسا قد أعد مصحفه بالتفصيل وبات ينتظر آية الختام ... وحين أراد الله أن يرحم هذا الفارس النبيل ... سواك  أنت ....فكنت أجمل وأعز وأعظم   آياتي....

 

اليوم ، ها أنا أمر بتراب فلسطين ذرة ،ذرة...أمر على البيارات ، فأقبل الليمون والبرتقالات...أمر على شواطئ عكا ، وأقبل فيها من تاريخها كل المعجزات ، ومررت على الجليل ، وطبريا وحيفا ، قبلت كل القرى المندثرات ، اليوم...أعدت للأماكن أسمائها ، وللأرض اسمها ، وأعدت رسم الخارطة كما كان ينبغي دوما رسمها...اليوم ، أنظر للناس فأفرح ، أمر على الفقراء ، فأفرح ، أنا فرح لأن عهدا طويلا من السواد قد انتهى ، وليبدأ زمن جديد ... فرح ، لأن عمر الظلم ، على يد أحلامنا وحبنا  قد أنتهى...

 

أيا أنت، يا خير البدايات ،تأكدي...أنا لا تفارقني نظرات عيونك ، ابتسامتك الهادئة ، شعرك الأشقر الكثيف ـ لا يفارقني طيفك ، وأذكر ، كيف تبتسمين نحوي حين أتكلم وتنصتي ...

 

مذهل يا حبيتي منظر البحر هنا في فلسطين ، مذهل لأن كل السواري لا ترفع الا علما ، هو علم لأمة من المقهورين ، وصوت صفير الزوارق ، صور البوارج ، حاملات الطائرات ،الفرقاطات ،السفن المساندة ، كلها تبدو لي بيضاء ، عرائس في بحر أزرق تملأه النواميس.....

 

 

وأمر بين القطعات العسكرية ، آخذ فوطة وأحاول بنفسي تنظيف السبطانات ، اليوم ، احتسيت قهوة الصباح مع الجنود المنتصريين تحت ظل دبابة لهم مدمرة ، ثم ذهبت لطائرة مدمرة  هي الأخرى ، وكتبت أسمك ، ضحك المارشال الذي يرافقني ، فقلت له ، هل ترى ، أنا لولا العشق ما كنت قد بدأت....

 

ولولاها أنا يا أصدقائي ، كل هذا الحلم ما كنت قد كتبت ... والآن الساعة الثالثة صباحا ، ويبدو أنه لم يتبق في سوق الرابية الا أنا وأوهامي ، وسأذهب الآن لسريري البارد ، مجرد جسد مرهق وروح متعبة .... وسأقرأ في الصباح أخبار قتلانا وهزائمنا وعارنا ، وسأنكب على علاج الأسنان ... أنا لطالما أخبرتهم جميعا أنني لا أجد في داخلي لا طبيب ولا شاعر كاتب ، أنا لا أراني الا قائد جيش عظيم لدولة عربية حرة موحدة عظيمة ، أنما الأقدار ترفض أمنياتي ، وسأعود غدا لعملي مجرد طبيب أسنان ومجرد جسد يمارس الروتين البيولوجي المقيت....

 

حتى من أحبها ، لا تحبني ، أو بالأحرى ربما لن يمكنها واقعها في أي يوم من الأيام أن تحبني، ولذا يبدو الحب في أيامي مجرد وهم وحلم شفيف ، هو يشبه حلمي بحرب عظيمة ، انما ما يعزيني ، أن الحلم خير ألف مرة من هذا الواقع المقيت....

 

 

 

 

 

 

 

 

 

نني الجنود الذين أرسلتهم معك وأخبروني أنك في معزل آمن  








طباعة
  • المشاهدات: 14047
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
20-02-2008 04:00 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
برأيك.. هل اقتربت "إسرائيل" ولبنان من التوصل لاتفاق إنهاء الحرب؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم