17-11-2019 10:58 AM
بقلم : فهد خشمان الخالدي
(قَارِئَةُ الفِنجَانِ …!!!)
بِكُلِ صَراحَةٍ وَوضوحٍ، وَبِلَهجَةٍ تَنُمُ عَن نَظرَةٍ ثاقِبَةٍ لِلمُستَقبَلِ القَريبِ والبَعيدِ؛ قَالَت (قارِئَةُ الفِنجانِ) لِذلكَ الشابِ الهائمِ في مَحبوبَتهِ، بأَنَها بَصَّرَت وَنَجَّمَت كَثيراً؛ لَكِنَها لَم تَقرأَ أَبَدَاً فِنجانَاً يُشبِهُ فِنجانَهُ ..!! وَلَم تَعرِف أَبَدَاً أَحزانَاً تُشبِهُ أَحزانَهُ ..!! فَعَلَى الرَغمِ مِن كُلِ صِفاتِ حَبيبَتِهِ نادِرَةِ الوُجودِ؛ إِلَّا أَنَّ سَماءَهُ سَتَبقى مِمطِرَةٌ وَطَريقَهُ إِليها مَسدُودٌ مَسدُود ..!! وَسَيَرجِعُ مِن هَذا الطَريقِ مَهزومَاً مَكسُورَ الوِجدانِ؛ وَسيَعرِفُ بَعدَ رَحيلِ العُمرِ بأَنَّهُ كَانَ يُطارِدُ خَيطَ دُخانٍ ..!! فَحَبيبَةُ قَلبِهِ لَيسَ لَها أَرضٌ أَو وَطَنٌ أَو عُنوانٍ ..!! هَكَذا صَورَت (قارِئَةُ الفِنجانِ) لِذَلِكَ الشَابِ وَاقِعَهُ الحَالي وَمُسَتَقبَلِهِ المُتَوَقَع وِفقَ قِراءاتٍ وَمُعطَياتٍ (تَعتَقِدُ) أَنَّهَا لا تَقبَلُ الشَكَ أَبَدَاً؛ تارِكَةٌ إِياهُ ليَختارَ طَرِيقَهُ وَمَصيرَهُ الَذي يُريد ..!! وَهَكَذا نَسَجَت تِلكَ القِصَةُ بَناتُ خَيالِ وَأَفكارِ الشَاعرِ الكَبيرِ (نِزار قَباني) في رائِعَتِهِ (قارِئَةُ الفِنجانِ) .
في كُلِ مَكانٍ هُناكَ أَمثَالُ (قَارِئَةِ الفِنجانِ) ..!! حَتَّى في قِصَصِ الأَوطانِ ..!! يَتَمَثلونَ بِمَن يَمتَلِكونَ (أَو يَمتَلِكنَ) مَعَاني الوَلاءِ والانتِماءِ لأَوطَانِهِم؛ وَيَتَمَثلونَ بِمَن يَمتَلِكونَ (أَو يَمتَلِكنَ) العِلمَ والمَعرِفَةَ والخِبرَةَ الكَافيةِ في استِشرافِ المُستَقبَلِ وَتوقُعِ مَا سَيجري فيهِ انطِلاقاً مِن رُؤيَتِهِم لِلحَاضِرِ ..!! فَيَختَصِرونُ لَنَا كُلَّ طَريقٍ سَنَمشي فِيهِ دُونَ أَن نَعلَمَ أَنَّهُ مَسدُودٌ مِن أَوَلِهِ إِلى آخِرِهِ ..!! فَإِن أَصرَرنَا عَلى أَن نَسلُكَ هَذا الطَريقَ؛ فَهَذا يَعني أَنَنَا (لَنْ) نَصِلَ أَبَدَاً إِلى أَهدَافِنا ..!! وَإِن عُدنَا فَعَلى الأَرجَحِ أَنَنا سَنَسلُكُ طَريقَاً آخَرَ (قَد) يُوصِلَنا إِلى الهَدَفِ المَنشودِ ..!! وَإلَّا سَنُصبِحُ كَمَن يُطارِدُ خَيطَ دُخانٍ؛ إِن لَم نُنصِت لِنَصائِحِ (قارِئَةِ الفِنجانِ) ..!! .
المُشكِلَةُ تَكمُنُ بِأَنَّ الَذينَ بَينَنَا مِن أَمثالِ (قارِئَةِ الفِنجانِ)؛ جَميعَهُم أَجمَعُوا (بَعدَ أَن بَصَّروا وَنَجَّموا)؛ أَنَّ كُلَ الطُرُقِ الَتي نَسلُكُهَا مَسدُودَةٌ حُكمَاً ..!! وَبأَنَّهُ مِن الأَفضَلِ أَن نَسلُكَ طَريقَاً آخَرَ يَخلُو مِن الحُفَرِ والعَثَراتِ لِلوُصولِ إِلى مَا نَصبُو إِليهِ وَنُريد ..!! وَرَغمَ هَذا فَلا زالَ يُصِرُّ البَعضُ مِنَّا عَلى السَيرِ في ذَلِكَ الطَريقِ المَسدُودِ دونَما اكتِراثٍ لِكُلِ تِلكَ النَصائِحِ؛ عَلى الرَغمِ مِن أَنَنَا نَعُودُ في كُلِ مَرَّةٍ جَارِّينَ أَذيالَ الخَيبَةِ ..!! نَلوحُ برُؤوسَنَا وُمُرخينَ آذانِنَا لِنسمَعَ إِملاءاتٍ أُخرى مِمَن لا يَعنيهِم واقِعنا وَلَا يَمُتّونَ لِثَقافَتِنَا بِصِلَةٍ ..!! فَنَتوهُ في طَريقٍ مَسدُودٍ لا نَلمَسَ فيهِ إِلَّا مَزيدَاً مِن الحُفَرِ والسُدودِ ..!!.
حَرِّيٌ بِنا أَن نُنصِتَ وَنَستَمِعَ لِمَن يَعنيهِ أَمرُنَا (الَذي هُو أَمرُهُ أَيضَاً)؛ فَهوَ الأَقرَبُ والأَعرَفُ بِمَكانِ الجُرحِ والأَلَمِ، وَهوَ الأَقدَرُ عَلى تَشخيصِهِ لاستِخلاصِ الدَواءِ المُناسِبِ لَهُ ..!! لا لِشَيءٍ؛ إِلَّا لأَنَهُ يَتَكلَمُ بِحُرقَةِ مَن يُحِبُ هَذا الوَطَنِ وَيحِبُ قائِدَهُ وَشَعبَهُ؛ وَحَرِّيٌ بِنا كَذلِكَ أَن نَنبُذَ كُلَ أَبواقِ السُوءِ (الَتي اعتَراهَا الصَدأُ) وَحَمَلَتِهَا الَذينَ لا يَرَونَ مِن هَذا الوَطَنِ إِلَّا كُلَ مَا يَستَطيعُونَ سَرِقَتَهُ وإِفسَادَهُ وإِشاعَةُ الفَاحِشَةِ فيهِ ..!! فَالأَوطَانُ لَم وَلَن تُبنَى بِالخَيالِ والتَمَنياتِ والأَوهامِ؛ إِنَمَا تُبنَى بِالعِلمِ وَالوَلاءِ وَالإِقدَامِ .
==============