03-12-2019 02:08 PM
بقلم : الدكتور جميل السعودي
الفساد قد لا يكون ماديا أو شخصيا حيث تتنوع أشكاله ومضامينه وأحجامه باختلاف بيئاته وشعوبها ، لكن لا يختلف إثنان على أن الفساد هو أالإستيلاء على حقوق الغير أو التعدي عليها أو حرمان أصحاب تلك الحقوق من الحصول عليها بشكل متعمد أو مخطط له أو معلوم مسبقا سواء كانت تلك الحقوق ماديه أو معنويه أو قانونية أو سياسية أو سيادية أو دينية ؛ لذلك ليست بالضرورة أن يكون الفساد فقط الاستيلاء على أموال أو حقوق مادية بل يتعدى معناه الى عدم تطبيق القانون بعدالة واضحة والى تغييب الحقوق السياسية أو الغائها إن وجدت والى التعمد في ايجاد حاله من عدم التوازن في توزيع موارد الدول على شعوبها بشكل عادل لاغراض التنمية ، ويتعدى معنى الفساد ايضا الى التطاول على الحقوق المعنوية للشعوب والحرمان من التعليم والمناطقية والجهوية ومنح الامتيازات السياسية والمادية الى غير مستحقيها والى أشخاص ليست أكفّاء في إدارة سلطاتهم وتحمل مسؤلياتهم والقيام بأإعمالهم على أحسن وجه ؛ من هنا فإن الفساد هو ظاهرة دولية تجدها في كل دول العالم لكن تختلف بأشكالها ومستوياتها وأحجامها ، كما أن دول كثيرة استطاعت بسبب قوانينها وحيادية تطبيقها ووضوحها لشعوبها وبسبب عدم وجود ثقافة المحسوبية لدى تلك الدول ووجود الإرادة لديها في عدم السماح للتوسع في دائرة الفساد ومحاربتة للفساد القائم ؛ استطاعت تلك الدول الوصول الى مستويات منخفضة جدا من الفساد لديها وهي في طريقها للتخاص منه على الاطلاق مهما تغيرت الحكومات والاشخاص والبيئات والقوانين .
إن أعمدة الفساد قائمة على مسؤول لا ارادة له ولا علم ولا خبرة لديه ، وقانون غير نافذ ، وسلطة قضائية لا تعمل في بيئة محايده ، وعندما تتقاطع المصالح الشخصية وسلّم اولوياتها لدى السلطات السيادية، وقابلية الشريحه الكبرى من الشعب بأن يكونوا فاسدين.. أجزم القول بأن الفساد لا يمكن محاربته والقضاء عليه الا بالتقاء تطبيق القانون وعدالته وإرادة الشعب بالتوقف عن المحسوبية وتغذية بيئة الفساد.
البداية في نظري تبدأ من الشعب ؛ فحينما يرفض الشعب المحسوبية ولا يعمل بها ؛ حينها نقول بأن الفاسد سيبدأ باعادة حساباته ومهما حاول ترتيب اوراقه فكشفه يكون سهلا وسيكون القانون له بالمرصاد. وبخلاف ذلك ستبقى محاربة الفساد حلما ليست من السهولة تحقيقه.
قد يكون الحديث عن محاربة الفساد سهلا لكن تطبيقه الفعلي يصعب بصعوبة أسبابه وأشكاله ، فمهما تعددت وتنوعت أسبايه وأشكاله لدينا ؛ فإننا بحاجة الى تظافر الجهود بين المواطن والقانون وسلطة تشريعيه يتم إنتحابها بطريقة تختلف عمّا مضى وسلطة تنفيذية يتم اختيار أعضائها بناء على مبدء الكفاءة والخبرة وليست العلاقات الشخصية وتوزيع المنافع وضرورة عدم تجريب من سبق وأن تمت تجربتهم وفشلوا في تحمل مسؤلياتهم والتوقف فورا عن توريث المناصب بل يجب منعها قانونيا ، أما بالنسبة للقانون فإنه يفضّل تغليظ العقوبات غلى أهل الفساد حتى ولو وصلت الى التعامل مع حالاتهم كخيانة دولة ويا حبذا تطبيق قانون من أين لك هذا أسوة بمعظم الدول التي انخفض فيها مغدل الفساد المادي الى اقل المستويات لدرجة أنه أصبح معدوما في كثير من الدول - وهناك آلية وإجراءات خاصة وعادله بهذا الشأن. أما بالنسبة للدور والمسؤولية الأهم فإنها كما ذكرت سابقا تقع على كاهل المواطن في التعاون بجميع الوسائل لمحاربة الفساد وعدم الاشتراك به والإيمان بأن محاربة المحسوبية والبعد عنها واجب وطني لحماية الأجيال وإرساء العدالة حينها سنقول وبكل فحر أننا بدأنا على الطريق الصحيح في إجتثاث الفساد.
حمى الله الوطن والقيادة وكل مواطن يعيش الاردن بقلبه وجوارحه وليست في جواز سفره أو رقمه الوطني.