12-12-2019 09:16 AM
بقلم : منصور يحيى القضاة
لا يختلف اثنان على دور التعليم في نهضة امم الارض ورفعة شأنها. وعند التحدث عن التعليم لا بد من التحدث عن المدارس ودورها الجوهري في ذلك .وتعتبر المدارس الثانوية المرحلة النهائية والمهمة التي توجه الطلاب نحو الحياه العلمية المتخصصة والعملية المهنية.
ولما لهذه المدارس من اهميه بالغة, ولحرص جلالة الملك عبدالله الثاني على الابداع والتميز فقد بادر قبل سنوات عديده بتأسيس مدارس متخصصه في كافة محافظات المملكة أطلق عليها اسم مدارس الملك عبدالله الثاني للتميز- وهي بالطبع مدارس حكومية وليست خاصه كما يعتقد البعض- هدفها اختيار الطلاب والطالبات الاوائل والمتميزين في المرحلة الأساسية بعد الصف السادس الاساسي ليكونوا دعامات وركائز هذه المدارس والحفاظ على تميزهم وتخريج نخبة ممتازة من الطلاب والطالبات على مستوى الوطن, ويتم اختيار هؤلاء الطلاب والطالبات بناءاً على امتحانات ذكاء وثقافه متخصصه تقوم بها وزارة التربية والتعليم.
يبدأ التعليم في مدارس التميز من الصف السابع الاساسي . ومن اهداف هذه المدارس الرائعة ايضاً ابعاد الطلاب المتميزين والاذكياء عن الطلاب المشاكسين والغير مبالين بتحصيلهم الاكاديمي ,أي ببساطه ابقاء الطلاب في اجواء تنافسيه مع نظرائهم من الطلاب بنفس مستويات الذكاء والتحصيل والابداع. في هذه المدارس يتم تدريس اللغة الفرنسية جنباً الى جنب مع اللغتين العربية والإنجليزية, ويتم تدريس منهاج اخر للرياضيات اسمه الرياضيات المتقدمة جنباً الى جنب ايضاً مع الرياضيات العادية التي يدرسها طلاب المدارس الحكومية العادية.
كما تهتم هذه المدارس بصقل شخصية طلابها من خلال التنوع بالأنشطة اللامنهجية مثل الخطابة والشعر وتدريس الموسيقى وخدمة المجتمع. كل ذلك في اجواء تنافسيه بين الطلاب بحيث اصبحت هذه المدارس كخلايا النحل لا مجال فيها لطالب متراخي او كسول, كيف لا وقانون المدرسة يفرض على الطالب ان لا يقل معدله عن خمسه وتسعين بعد الصف الثامن كشرط لبقائه فيها, ومن يتقاعس ويتراجع من الطلاب يتم نقله الى المدارس الحكومية العادية لعدم حفاظه على شرط وسمة التميز التي قامت هذه المدارس لأجلها . ان ذلك فعلاً هو المعنى الحقيقي للتميز الذي اراده جلالة الملك وابتغاه, والذي هو الاساس الذي قامت عليه هذه المدارس المتميزة.
كان ذلك يا سادة في الاعوام الاولى من عمر هذه المدارس, اما الان فقد اختلفت الصورة تماماً بحيث اصبحت هذه المدارس مدارس عاديه جداً, ففيها من الطلاب من يصل معدله تسعين, وخمسه وثمانين, وثمانين ايضاً. والغير مناسب في وجود مثل هؤلاء الطلاب مع الطلاب المتميزين هو الاثر النفسي الغير المباشر الذي يتركونه على زملائهم المتميزين , فبشكل عام ومن وجهة نظر شخصيه أثر الطالب الغير مبالي بالتحصيل على زملائه اكثر من اثر الطالب المبالي بالتحصيل على بقية الطلاب . فأصبحت النشاطات معدومة اطلاقاً في هذه المدارس, من الصعوبة الان اقبال الطلاب على برامج الإذاعة المدرسيه المتعارف عليها , لا يوجد خطابه, لا يوجد شعر, ولا يوجد رغبه في حل الواجبات المدرسيه وغير ذلك من المخالفات التي لا مجال لذكرها حتى لا يفهمني البعض خطئاً بأنني اهاجم المعلمين وكوادر الادارات المدرسيه اللذين انتمي اليهم. أما المعلمون فكان الله في عونهم فقد كثرت معاناتهم من التعامل مع طلاب ينبغي ان يكونوا متميزين ولكنهم لم يعودوا كذلك . هل نستطيع في ظل هذه المخالفات الغير مقبولة من مدارس عاديه ان نستمر بإطلاق اسم التميز على هذه المدارس؟!!!!!
ثمة ظلم جديد اصبح يقع الان على اولياء الامور في هذه المدارس, عندما يتقدم طالب او طالبه لامتحان التميز وينجح فيه يفرح والده ووالدته كثيراً اعتقاداً منهم ان ابنهم ذاهب الى مدرسه متميزة فيترك مدرسة البلدة القريبة منه بجانب المنزل ويضطر ان يأتي له بوسيلة مواصلات خاصه تطلب مبلغاً محترماً من المال لقاء ذلك. ما هي الفائدة من ذلك الان؟!!!!!
من الامور الغريبة بعض الشي في هذه المدارس والتي تخص النظام الداخلي فيها هو اسناد ادارة هذه المدارس الى الاناث فقط بحجة وجود معلمات و طالبات, اما المرشد التربوي (فقط) فلا بأس ان يكون رجلاً! ما المشكلة في ان يكون المدير رجلاً والمرشدة التربوية امرأه ؟ أو أن يكون المدير رجلاً والمساعده امرأه تارة او المديرة امرأة والمساعد رجلاً تارة اخرى حسب الكفاءة والدرجة التربوية بجميع الاحوال ؟!!!!
لست ضد الجنس الاخر ولكن هل يعجز المعلمون الرجال عن إدارة مثل هذه المدارس؟!!! ام هل انهم غير مؤتمنين على ادارة مدارس نصفها اناث ونصفها ذكور؟!!!!!! من يقوم اذاً بشحذ همم المعلمين الرجال والتأثير على طلاب الثانوية الذكور واعطاء القدوة لهم والسيطرة عليهم؟
نظراً لاهتمامي الشخصي بهذا الموضوع فقد راجعت احد مدراء التربية السابقين وابديت له انزعاجي من الواقع الذي وصلت اليه مدارس التميز. مشكوراً, قام هذا المدير بالتعاطف معي واخبرني بالحقيقة ومفادها انه لا يستطيع فعل شيء حيال هذا الامر لأن العديد من نواب البرلمان هم المسؤولين عن هذا الواقع المتردي وذلك بقيامهم بالضغط على وزير التربية السابق لتخفيض معدلات البقاء في هذه المدارس من خمسه وتسعين الى ثمانين وبالتالي افساد فكرة مدارس الملك عبد الله الثاني للتميز وتحويلها الى مدارس عاديه.
أضع هذا الامر بين أيدي القرّاء وأيدي اصحاب الاختصاص لإبداء الرأي والمتابعة.
والله الموفّق
منصور يحي مصلح القضاة