18-12-2019 08:33 AM
بقلم : د. هايل ودعان الدعجة
تعتبر الاهمية الاستراتيجية لمنطقة الشرق الاوسط وموقعها الجغرافي ومواردها وثرواتها الطبيعية ، من اهم التحديات التي تواجه دول المنطقة ، باعتبارها مسؤولة مباشرة عن الصراعات والحروب وحالة الفوضى وعدم الاستقرار التي دائما ما تشهدها . حيث باتت مستهدفة من القوى الخارجية طمعا بهذه المزايا والعناصر التي تمثل مصادر قوة ونفوذ لها في الساحة العالمية. الامر الذي يمكن اسقاطه على الصراعات والتوترات التي تشهدها المنطقة في الاونة الاخيرة مع اكتشاف احتياطات الغاز بكميات ضخمة في شرق البحر المتوسط ، فاقت احتياطات كل من روسيا وقطر وايران مجتمعة ، وما رافق ذلك من توقيع اتفاقيات بين العديد من دول حوض المتوسط ، لترسيم الحدود البحرية وتحديد المناطق الاقتصادية الخالصة لها ( والتي حددتها معاهدة الامم المتحدة لقانون البحار لعام ١٩٨٢ بمسافة ٢٠٠ميل بحري ) بهدف التنقيب عن الغاز والنفط ودخول اسواق الطاقة العالمية . حيث اخذت الصراعات في المنطقة تتصاعد بين تركيا من جهة ، وبين قبرص اليونانية واليونان ومصر واسرائيل من جهة اخرى ، التي قامت بتوقيع اتفاقيات فيما بينها حول المناطق والحدود البحرية وانتاج حقول الغاز . مما اثار حفيظة تركيا التي تعتبر الثروات الطبيعية المكتشفة في جزيرة قبرص حق للجميع ، إذ تتطالب بحصتها من هذه الثروات في المنطقة المائية المجاورة لحدودها ، وبحصة جمهورية شمال قبرص التركية ، وهو ما تجاهلته قبرص اليونانية ، وقامت بتحديد منطقة اقتصادية خالصة لها تمكنها من استغلال ثروات الطاقة في مياهها الاقليمية . الامر الذي دفع تركيا الى اتخاذ مجموعة من الاجراءات والتدابير (والتهديدات ) ، تمثلت في توقيع اتفاقية لترسيم الجرف القاري مع القبارصة الاتراك ، وتسيير سفنها للتنقيب عن الغاز غرب قبرص ، وتحدي كل من قبرص واليونان ومصر واسرائيل بعدم التنقيب عن الغاز شرق المتوسط ، وعدم انشاء خط نقل للغاز الطبيعي هناك الا بموافقتها . حتى ان تركيا فكرت باقامة قاعدة بحرية في الجزء التركي من جزيرة قبرص ، للحفاظ على مصالح القبارصة الاتراك ، وتعزيز اوراقها التفاوضية المستقبلية بشأن الازمة القبرصية . وصولا الى قيام تركيا بتوقيع اتفاقية مع ليبيا الشهر الماضي ، تتيح لها التنقيب عن الغاز قبالة السواحل الليبية الغنية جدا بمصادر الطاقة . مما استفز هذه الدول واثار حفيظتها خاصة اليونان التي اعترضت على هذا الاتفاق بحجة عدم التقاء المناطق البحرية بين تركيا وليبيا وعدم وجود حدودا بحرية بينهما ، اضافة الى ان الاتفاق يخترق الجرف القاري لجزيرة كريت ، ويعزل بعض الجزر اليونانية ويلغيها .
ان هذه الخطوات التي تنطوي على تحديات وتهديدات انما تعكس اهتمام تركيا بالطاقة في شرق المتوسط ، والتي تعول عليها كثيرا لحل مشاكلها في هذا المجال كونها تستورد ما نسبته ٧٥% من احتياجاتها منها . لا بل انها تسعى لان تكون مركزا اقليميا لتصدير الطاقة ، وخاصة الغاز الى الاسواق الاوروبية من خلال نقل غاز اذربيجان (تاناب) وروسيا ( خط السيل التركي ) الى اوروبا عبر اراضيها .
في المقابل فان هناك شبه تحالف او تقارب او تفاهم بين دول اخرى كمصر واليونان وقبرص اليونانية واسرائيل ، يسعى الى منع تركيا بالذهاب بعيدا في تطلعاتها وطموحاتها خاصة مصر التي تسعى هي الاخرى الى ان تكون مركزا اقليميا لتصدير الطاقة الى الاسواق العالمية في ظل ما تمتلكه من بنيتة تحتية لمد انابيب الغاز واسالته وتصديره ، الى جانب حقول الغاز الطبيعي بكميات كبيرة جدا ، خاصة بعد اكتشاف حقل ظهر المصري عام ٢٠١٥ . وقد تطورت المحاولات المصرية للتضيق على تركيا في مجال التنقيب عن الغاز الى عقد منتدى غاز شرق المتوسط في القاهرة لتوسيع شبكة انابيب مصر وقبرص واسرائيل ، والاستفادة من البنية التحتية المصرية لتصدير الغاز الى اوروبا ومنافسة كل من تركيا وروسيا في هذا المجال ، الامر الذي وجد ترحيبا من قبل دول اوروبا التي تسعى الى الاستغناء وتخفيف الاعتماد على الغاز الروسي تحديدا .
الامر الذي يؤكد بان اكتشاف احتياطات الغاز في شرق المتوسط من شأنه دفع المنطقة نحو المزيد من التوترات والصراعات وربما الحروب بين دول المنطقة ، بصورة قد تكون لها تداعياتها الاقليمية والدولية التي قد تغير قواعد اللعبة وموازين القوى في العالم . في اشارة الى الاهمية التي تعولها الدول الكبرى على الثروات الطبيعية التي باتت مرتبطة بمصالحها وامنها القومي وحضورها ونفوذها في الساحة العالمية .