09-01-2020 11:45 AM
بقلم : أ.د رشيد عبّاس
يمتعض البعض عند رؤية كتابة الاخرين بطريقة الخروج عن السَّطر, في حين كثير من رسائل القادة واصحاب الشأن والنفوذ في الماضي والحاضر قد جاءت كتابتهم من حيث الشكل خارجه عن السَّطر, إلا أن تلك الرسائل كانت تحمل مضمون قوي ومعبر للغاية, ثم ان معظم الاطباء تأتي كتابتهم على الوصفات الطبية (الروشته) بطريقة الخروج عن السَّطر, مع ان تلك الوصفات الطبية تحمل علاجات فعالة وخطيرة وثمينة جدا,..الالتزام بالسَّطر يناسب ما دون طلبة الصف الرابع الابتدائي فقط, كي نكسبهم ثقافة النظر الى الامام في تحليل المواقف في مستقبل حياتهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بشكل مؤقت, وليس بهدف الكتابة بخط مستقيم مدى الحياة كما يفهمه البعض.
الكتابة بخط مستقيم مدى الحياة ليس هدفا تربويا, وانما يعتبر مشكلة بحد ذاته اذا ما تم الاستمرار فيها, فالكتابة بخط مستقيم مدى الحياة قد تكسب الاجيال اللاحقة الانقياد والخنوع, وعدم المرونة في المواقف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية, وقد تكسب الاجيال اللاحقة انسداد في الافق, وانعدام التأسيس للأفكار الناضجة, فكثير من الذين يكتبوا دون الخروج عن السَّطر اصبح لديهم محدودية التعامل مع البدائل المتاحة, ومحدودية الحلول الممكنة لحل بعض المشاكل اليومية التي قد تواجههم, وقد تلغي لديهم مهارة النظر الى الاعلى والى الاسفل, ويقال (والله اعلم) ان الذين تعودوا على ان يكتبوا بطريقة الخط المستقيم اي بطريقة عدم الخروج عن السَّطر واستمروا عليها مدى الحياة, هم الاكثر تسببا في حوادث الطرق!
لقد دلّلت بعض البرقيات والمراسلات العسكرية المكتوبة في المعارك ان القادة العسكريين الميدانيين والذين انتصروا في معظم المعارك التي خاضوها عبر التاريخ كانت كتاباتهم بطريقة الخروج عن السَّطر, في حين ان اشباه وانصاف القادة العسكريين الميدانيين والذين هُزموا في معظم المعارك التي خاضوها عبر التاريخ كانت كتاباتهم بطريقة عدم الخروج عن السَّطر والالتزام به, وقد قيل سابقا(اعطني طريقة كتابتك لأقول لك من انت), هذه المقولة ان صحّ مضمونها قد نفهم منها مثل هذه الدلالات الميدانية الغريبة العجيبة.
اليوم قد يتطلب واقع الامر خروج بعض الافراد عن السَّطر, وقد يتطلب الامر خروج بعض الحركات عن السَّطر, وقد يتطلب الامر كذلك خروج بعض الدول عن السَّطر, وهذه مرونة وتكتيك واستراتيجية مطلوبة من جميع هؤلاء, فالكتابة بخط مستقيم مدى الحياة ودون الخروج عن السَّطر, مقتل للأفراد ومقتل للحركات ومقتل للدول,..كثيرمن الانتكاسات والتصدعات التي لحقت بالأمم والشعوب كانت نتيجة لتمسكهم بخطوط مرسومة لهم الى الابد, او لإيمانهم ان الكتابة بطريقة الخروج عن السَّطر فيه مهلكة وضياع, والحقيقة كما اعتقد ويعتقد غيري هي عكس ذلك تماما.
الخروج عن السَّطر عند الكتابة ..هو الصحيح, والواقع السياسي قد يفرض علينا تغيير العبارة السابقة لتصبح (الخروج عن السَّطر في السياسة ..هو الصحيح), وكثير من السياسيين عملوا على هذه العبارة الجديدة وكانت لهم رؤية ثاقبة في قراراتهم التي اتخذوها وربما لامهم البعض لعدم وضوح ما هو فوق السَّطر وما هو تحته لدى هؤلاء البعض الذين عاشوا وماتوا وهم يكتبوا بخط مستقيم وعلى السَّطر مدى الحياة وانعدمت لديه المرونة المنضبطة,..ويقال ان الطيور التي تطير بمسارات مستقيمة تسقط ارضا اذا بالغت بالارتفاع يوما من الايام, في حين الطيور التي تطير بمسارات متعرجة تحّلق اكثر واكثر كلما زاد ارتفاعها.
ثبت في تاريخ الامم ان الامة التي تتمسك بالكتابة على السَّطر مصيرها الانقراض والزوال والاستسلام, فالأحداث من حولنا تتطلب عدم التزام بالكتابة على السَّطر في جميع الحالات,..والمطلوب ان نضع نقطة وان نبدأ من حيث الواقع على صفحة الاحداث وصفحة المستجدات, فربما نكتب فوق الاسّطر او تحته وبطريقة مائلة لليمين او لليسار ويعتمد ذلك على طبيعة الاحداث ومستقبلها, المهم صحة وصدق وعمق ومضمون الرسالة المراد كتابتها.
يقول احد اللاعبين المحترفين لقد تخليتُ تماما عن الكتابة على السَّطر في نهاية الصف الرابع الابتدائي, ونجحت لاحقا بتسجيل هدف (التفافي) نظيف في الخصم..