14-01-2020 12:52 PM
بقلم : الأب عماد الطوال
تعد العملية التربوية الأساس الذي يقوم عليه تقدم الشعوب حيث تلعب دوراً رئيسياً في التنمية البشرية والاجتماعية والاقتصادية وعلى الرغم من التقدم الكبير الذي تحقق في السنوات القليلة الماضية، إلا أن هناك العديد من التحديات التي تواجه العملية التربوية المعاصرة في كل مكان، في هذا الصدد أعلن البابا فرنسيس في 12 أيلول 2019 عن مبادرة بعنوان "إعادة بناء الاتفاقية التربوية العالمية" دعا فيها ممثلين من الأديان المختلفة في العالم، والمنظمات الدولية والمؤسسات الإنسانية، فضلاً عن المربين والاقتصاديين والعلماء وصانعي السياسات ومختلف الأشخاص من عالم الفن والثقافة والرياضة، والشباب أنفسهم إلى لقاء عالمي سيُعقد في الفاتيكان بتاريخ 14 أيار 2020 وستُستثمر خلال هذا اللقاء جميع الطاقات والقدرات، حيث أكد البابا في رسالته "إننا بحاجة أكثر من أيّ وقت مضى إلى أن نجمع قوانا ضمن اتفاقيّة تربويّة واسعة النطاق من أجل تنشئة أشخاص ناضجين، وقادرين على تخطي الانقسامات والتشرذمات وإعادة نسج العلاقات من أجل إنسانية أكثر أُخوَّة" هذه الحاجة تعكس فهماً بأن التربية هي أحد أبرز السبل لإعداد الأجيال المقبلة لتكون أكثر وعياً في مواجهه التحديات الحالية والمتوقعة خلال العقود القادمة.
لا يخفى على أحد أننا بتنا نعيش في عالم متغير بشكل سريع مليء بالتحديات، والحقيقة أن هذا التغير السريع والمستمر لم يكن له الأثر الايجابي على الصالح العام أو التنمية البشرية دائماً، فلم يصاحب تطورنا التكنولوجي الهائل مثلاً تطوراً في المسؤولية البشرية والقيم والضمير، بل كان للتقدم التكنولوجي والتواصل عبر الانترنت تأثيره السلبي على العلاقات بين البشر حيث أدى إلى نوع جديد من المشاعر المفتعلة التي ترتبط بالأجهزة والشاشات أكثر من العلاقة مع الآخرين ومع الطبيعة وهو ما حذر منه البابا في رسالته، أضف إلى ذلك الاستمرار في اتجاه التوسع الكمي على حساب التوسع النوعي والذي يمثل أيضاً إحدى التحديات الكبرى التي تميزت خلال هذا العقد، ليس هذا فحسب وإنما تكمن أهم التحديات في مجال تغيير أو تعديل الأنظمة التربوية لتتناسب بشكل أكثر واقعية وإنتاجية مع الاحتياجات المتغيرة للمجتمعات والأفراد، ورفع كفاءتها وإنتاجيتها حتى تتمكن من المساهمة بأكبر قدر في التنمية الشاملة في حدود الموارد المتاحة. وإذا كان للتخطيط التربوي دورة في التعامل بفعالية مع هذه التحديات التي لم يسبق لها مثيل، فسيتطلب ذلك مساعدة متزايدة من جميع العلوم الاجتماعية والإنسانية أيضاً كما سيتطلب تبادلاً غنياً وواسعاً للخبرات والتجارب بين الدول، حتى يتسنى لكل منها الاستفادة من التقدم الذي يحرزه الآخرين والإسهام فيه.
يبدو جلياً الآن أن الشراكة هي جوهر التطوير والارتقاء في العمل التربوي لذلك دعا البابا إلى ضرورة بناء "قرية التربية" لتشكيل شبكه علاقات إنسانيه منفتحة تقوم على المشاركة في العطاء كل حسب مواهبه ومهاراته الفريدة، ويشمل ذلك، على سبيل المثال، التركيز على تطوير الشراكات بين المعلمين والمتعلمين، تعزيز العدالة الاجتماعية والتعاطف والتضامن والالتزام بعمليات التعلم التشاركية، مع التركيز على الحوار والتجربة، بحيث يتحمل الجميع مسؤولية المساهمة في نجاح الأهداف المرسومة بأقصى فاعلية.
ولتحقيق هذه الأهداف الشاملة، أكد البابا على أهمية الانثروبولوجيا في التعليم وأن نتمتع بالشجاعة أولاً للتركيز على الإنسان وسلوكياته وطريقة تواصله مع الآخرين والواقع الذي يحيط به، أما الخطوة الثانية فتتمثل في الشجاعة للاستفادة من طاقاتنا بشكل خلاق ومسؤول بحيث تكون "التربية أكثر انفتاحاً وأكثر شمولية لإعداد أشخاصاً منفتحين ومسؤولين ومستعدين لإيجاد وقت للإصغاء والحوار والتفكير مع الآخرين، وقادرين على نسج علاقات مع الأسر، وبين الأجيال ومع المجتمع المدني"، وأخيراً، يجب أن يوفر التعليم تدريباً كافياً لأولئك الذين يريدون خدمه الآخرين فالخدمة تعني العمل بجانب الناس الأكثر عوزاً، ومد يد المساعدة لهم دون خوف، ودون حسابات، ولكن بعطف وتفهم تماماً كما قام يسوع بغسل أرجل تلاميذه.
والمفتاح لتطوير هذه المجموعة الأوسع من المهارات هو في تعزيز وزيادة مشاركة الجميع الذين لهم التأثير والذين يتأثرون في عملية التنمية، أضف إلى ذلك ضرورة تدريب الموارد البشرية على كل المستويات، والتأكيد على دور الخبرة المدربة تدريباً عالياً في تطوير المسيرة التربوية وخلقجيلواعمثقف.
وفي نهاية رسالته ناشد البابا الشخصيات العامة والرسمية في عالمنا والذين يهتمون بمستقبل شبابنا ضرورة العمل، الالتزام، المشاركة والمساعدة في بناء عالم أفضل.
نحن نعلم أنه لا يمكننا أن نحقق نهضة تربوية عالمية بين ليلة وضحاها ولكن يمكننا على الأقل أن نبدأ الآن ونجعل من هذه الاتفاقية نبراساً نهتدي به في رحلتنا نحو تحقيق "الحلم بإنسانية متضامنة تلبّي تطلّعات الإنسان وتدابير الرب"، لنفكر معاً لنعمل معاً ولنربي معاً هكذا نبني الوطن والمجتمع والانسان.