30-01-2020 12:00 PM
بقلم : المحامي عبد الرؤوف درويش القضاة
الحمد لله القائل في كتابه الكريم (( ... هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ )) (المنافقون4) والصلاة والسلام على رسوله الكريم القائل: "أخوف ما أخاف عليكم بعدي منافق عليم اللسان" ([1])
يقول رب العزة ..{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70، 71].
فالمنافِقون في كلِّ زمانٍ ومكانٍ تَختلف أفعالُهم وأقوالهم، ولكنَّها ترجع إلى طبعٍ واحدٍ وتنبُع من معين واحد: سوء الطويَّة ولؤْم السَّريرة، والغمْز والدَّسّ، والكيْد لهذا الدين، والضَّعْف عن المواجهة، والجبن عن المصارحة، تلك سِماتهم الأصيلة، ومع ذلك لا يَخْفَون على مَن أنار اللهُ بصيرتَه؛ فربُّنا - جلَّ وعلا - أجلى لنا صفاتِهم، وبيَّن لنا مسالِكَهم، فاستبان أمرُهم لكلِّ ذي لبٍّ.
وان من صفاتِهم: السخرية من المؤمنين ومن دينهم؛ {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء وَلَكِن لاَّ يَعْلَمُونَ} [البقرة: 13]، يصِفون المؤمنين بالسَّفه لإيمانِهم بالله، ويتهكَّمون منهم ومن دينهم، فلا يتركون مجلسًا أو مناسبةً إلاَّ وسلَّطوا ألسِنَتهم وأقلامَهم للنَّيل من المؤمنين، والغمْز في دينهم، وفي المقابل تَجِدهم معظِّمين للكفَّار، ولاؤهم لكفرة أهل الكِتاب، فالكفْر ملَّة واحدة وإن تعدَّدت أشْكاله واختلفت مشاربه.
ومن صفاتِهم: أنَّهم يسعَون لتوفير الغِطاء الشَّرعي لأعمالِهم، فلمَّا كانوا مُظْهِرين الإيمان مبطنين النِّفاق، فإنَّهم يُحاولون بشتَّى الطُّرق - عن طريق الكذِب والخداع - ألاَّ يظهر منْهم للنَّاس ما يدلُّ على نفاقِهم؛ فلِذا يسعون أن يصبغوا أعمالَهم بالشَّرع، ويُلْبِسونَها لبوس الدِّين، ففي كلِّ أمر يطرحونه يقدِّمون بين يدَي ذلك، بشرط ألاَّ يتعارض مع الدين، ثم هم بعدُ ينسفون ذلك كلَّه بحجَّة أنَّ هذا الذي يعارضه ليس من الدِّين بل هو من العادات، أو أنَّ المسألة خلافيَّة،
فمِن صفات المنافقين الواردة في القُرآن: إظهار الإصْلاح مع فسادِهم، فهم يسْعَون في إفساد أخْلاق النَّاس بدعوتِهم للانْحِلال والتحلُّل من القيَم والمثُل، يُفسدون في الأرْضِ بنشْرِهم الرَّذيلة ودعْوة النَّاس لها؛ بدعْوى التحرُّر والانعِتاق من الموروثات البالية؛ {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} [البقرة: 11]، فالموازين لديْهِم مختلَّة، ومتى اختلَّ ميزان الإخْلاص والتجرُّد، اختلَّت سائرُ الموازين والقِيم .
فقد ذكر البُخاريُّ في صحيحِه معلَّقًا عن ابن أبي مُليكة قال: أدركتُ ثلاثين من أصْحاب النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - كلهم يخاف النِّفاق على نفسه.
عن عبدالله بن عمرو: أنَّ النَّبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((أربعٌ من كنَّ فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه خصلةٌ منهنَّ، كانت فيه خصلةٌ من النفاق حتَّى يدَعَها: إذا اؤتُمن خان، وإذا حدَّث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر))؛ رواه البخاري ومسلم.
وعن أبي هُريْرة عن النَّبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((آيةُ المنافق ثلاثٌ: إذا حدَّث كذَب، وإذا وعد أخْلَف، وإذا اؤتُمِن خان))؛ رواه البخاري ومسلم.
فلنتقي الله سبحانه وتعالى في اعمالنا وانفسنا واوطاننا ونضع مخافة الله نصب اعيننا انه نعم المولى ونعم النصير حمى الله الاردن ومليكة وشعبه