01-02-2020 11:41 AM
بقلم : الدكتور سليمان الرطروط
بعد مرور ثلاثة أيام على إعلان ما سُمي ب(صفقة القرن) حال الشعب الفلسطيني يماثل حال الأيتام القاصرين، فبعد الانتهاء من دفن الميت يتسابق الأقارب لمواساة الأيتام الضعفاء، والمبادرة لإعلان كفالتهم، وتوفير ما يحتاجون إليه، وحمايتهم من الأذى، وبعد أيام قليلة لا تجد منهم أحداً، وعندئذ تتحمل الأم مسؤولية الأسرة، أما من وعدوها بالمساعدة فيتذرع كل منهم بأنه مسؤول عن أسرته أولاً.
لقد احتلت القوات المتحالفة فلسطين سنة 1918 م بعد دفاع باسل من القوات العثمانية، وعُهد لبريطانيا كدولة انتداب التهيئة لإقامة دولة مستقلة قادرة على إدارة شؤونها؛ ولكن التحالف الغربي استجلب اليهود من كافة بقاع الأرض، وأسكنهم فلسطين لهدف يرمي لجعلهم الأكثرية المطلقة بعد أن كانوا طائفة محدودة العدد، واستحدث الانتداب قوانين وأنظمة تسعى لمضايقة وإرغام الفلسطينيين على الهجرة والرحيل، مع تمكين المؤسسات الصهيونية من تثبيت أركانها بفلسطين.
وعندئذ استشعر الفلسطينيون ومنذ البداية غايات الانتداب والمنظمة الصهيونية؛ فأعلنوا وبكل الأشكال الرفض وعدم الموافقة، وحاولوا تنظيم صفوفهم؛ فاندلعت الثورات والمواجهات المسلحة وخاصة الثورة الكبرى عام 36 ، ولإخماد الثورات والتهدئة المرحلية جرى اقتراح مشاريع للتسوية تغلف بالسمن والعسل والأحلام الكاذبة؛ كإنهاء النزاع المسلح، وسيادة المحبة والتسامح، والازدهار الاقتصادي...ألخ.
وكانت أغلب المشاريع والمقترحات منذ مشروع بيل وحتى صفقة ترامب تنطلق من فكرة تقسيم فلسطين، وبعض المشاريع اقترح إقامة دولة واحدة داخل حدود فلسطين، أو باتحاد مع شرقي الأردن، وكان رأي الحركة الصهيونية غالباً الموافقة الظاهرية لعلمهم أن العرب سيرفضون، ثم بعد فترة من الزمن يطرح مشروع آخر، يمنح الصهاينة حقوقاً ومكتسبات أكثر، وهكذا يعمد الصهاينة لتثبيت وجودهم على الأرض، وفرض الأمر الواقع، فمثلاً عند طرح مشروع آلون سنة 67 لم يكن في الضفة الغربية أي مستعمرة، أما الآن فهنالك ما يزيد عن نصف مليون مستعمر متصهين.
ولذا فما يطرح من مشاريع ومبادرات يرنو لكسب الوقت، وإلهاء أهل فلسطين خاصة والعرب عامة، ولو كان الصهاينة يرغبون في السلام لقبلوا بالمبادرة العربية مثلاً، ولكنهم يسعون تدريجياً لتحقيق أهدافهم المتمثلة بإقامة دولة يهودية خالصة الهوية ما بين النهر والبحر وعلى أرض فلسطين التاريخية كاملة، مع التحفز لاحتلال الضفة الشرقية لنهر الأردن بعد التهيئة بفرض التبعية الاقتصادية والسياسية لهم أولاً.
ومن خلال الاحتكاك المباشر مع الحركة الصهيونية للعرب حكاماً وشعوباً أدركوا تماماً أن الصهاينة يستخدمون كل الأساليب لتحقيق غايتهم الكبرى ولكن بشكل متدرج ومتدحرج. أما الشعب الفلسطيني فوضعه مشابه لحالة الأيتام آنفة الذكر؛ ولذا فعليهم تحمل مسؤولية أنفسهم، ودفاعهم عن أرضهم فرض عين، وعلى غيرهم فرض كفاية، فلن يساعدهم أحد ما لم يساعدوا أنفسهم؛ ولأن الشعب الفلسطيني في حالة ضياع بتعدد القيادات، وتنوع الهويات والمآلات، فالأجدر الاتفاق ثم الالتفاف حول قيادة مخلصة تحظى برضا وقبول الشعب.
وحتى تحقيق هذا الطموح ينبغي على الشعب الفلسطيني داخل فلسطين التاريخية التمسك والإصرار على البقاء في أرضه، وتعزيز التمسك بدينه وأخلاقه، والاقتناع الراسخ أنهم في رباط وجهاد، وعدم الذوبان في المجتمع الصهيوني. أما الشعب الفلسطيني خارج أرض فلسطين فهو مقسم ومشتت، فالواجب يقتضي دعم صمود المرابطين مادياً ومعنوياً، وإدامة إحياء وتعليم وغرس القضية الفلسطينية في نفوس الأبناء، وبيان مدى مظلومية الشعب الفلسطيني للشعوب الأخرى.
إن المرء المسلم والعربي على يقين تام بأن دولة الصهاينة إلى زوال ما دام هنالك قرآن فيه سورة الإسراء تتلى في المساجد والصلوات، ولكن من واجب الحكومات العربية والإسلامية التي تدرك خطر الصهيونية عليها أن تعمد إلى تعزيز عقيدتها بأن عدوها الأول الصهيونية وأدواتها، وأن تتخذ كافة الإجراءات لمواجهة هذا الخطر السرطاني.
وأخيراً فلن تكون صفقة ترامب _ نتنياهو مشروع التسوية الأخير أو الفرصة الكاذبة الأخيرة، حيث ربطت تنفيذ الصفقة بمفاوضات تفصيلية تستمر لأربع سنوات كما جرت العادة منذ أوسلو وحتى الآن، وربما بعد سنوات لا تتجاوز أصابع اليدين_إن بقيت إسرائيل_ يعلن عن مشروع آخر، تبدو صفقة القرن خيراً منه. (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ۚ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ)الأنفال30
#سليمان_الرطروط
#صفقة_ترامب_نتنياهو