10-02-2020 08:08 AM
بقلم : د. هايل ودعان الدعجة
حالة من الانقسام السياسي غير المسبوق تشهدها الولايات المتحدة في عهد الرئيس دونالد ترمب على وقع الخلافات بين انصار الحزبين الديمقراطي والجمهوري بعد ان اخذ شكل الادارة الاميركية الطابع الشخصي الذي غلفته سياسات ترمب وتصرفاته التي طغت على النهج المؤسسي الذي ميز السياسة الاميركية في عهد الادارات المتعاقبة عبر الحفاظ على وجود ثوابت واطر عامة وسمت هذه السياسة ، وجعلت منها قواسم مشتركة تحرص على مراعاتها هذه الادارات ، وذلك بغض النظر عن انتمائها ومرجعيتها الحزبية . فاذا بنا على سبيل المثال ، امام حالة من الاجواء المشحونة بين الحزبين قادت مجلس النواب الذي يسيطر عليه الديمقراطيون الى توجيه تهمتي اساءة استخدام السلطة وعرقلة عمل الكونجرس الى ترمب ، الذي تمت تبرأته منهما من من قبل مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الجمهوريين ، وذلك على خلفية اتهامه بالضغط على اوكرانيا لفتح تحقيق بشأن جو بايدن منافسه الديمقراطي المحتمل في الانتخابات الرئاسية القادمة . لتنتقل عدوى هذا التوتر في العلاقة بين الحزبين لتصيب محطة اخرى ، عندما قامت نانسي بيلوسي رئيس مجلس النواب بتمزيق نسخة من خطاب حال الاتحاد ، ردا على تجاهل ترامب لها ورفضه مصافحتها خلال تسليمها هذه النسخة . كذلك فقد رفض 107 من نواب الحزب الديمقراطي في الكونجرس خطة السلام الأميركية ( صفقة القرن ) لانتهاكها القانون الدولي ، إضافة إلى تبني الكونجرس قرارا يدعم حل الدولتين ويرفض الاستيطان وضم الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى السيادة الإسرائيلية . مما يؤشر الى وجود اجواء من التوتر والمناكفة التي اخذت تلقي بضلالها على المشهد السياسي الاميركي ، بصورة قد تقود هذا المشهد الى مزيد من المشاحنات والمناكفات التي قد تجعل من المؤسسات السياسية والدستورية ساحة لتصفية الحسابات الشخصية والحزبية . واذا ما ترافق ذلك مع فوز الرئيس ترمب بدورة رئاسية ثانية لمدة اربع سنوات اخرى ، معنى ذلك ان الامور مرشحة الى المزيد من التأزيم والتعقيد في ظل احتمالية اتساع رقعة الخلافات بشكل قد يهدد الوضع الداخلي في اميركا ويعمل على زعزعته ، بعد ان اخذنا نلاحظ اصوات اميركية وتحديدا من قبل انصار الحزب الديمقراطي تعارض سياسات الرئيس ترمب وترفضها ، وترى بانها تتناقض مع مصالح البلاد ، وتشكل انقلابا على منظومة السياسات والثوابت والمبادئ التي ساعدت الولايات المتحدة على احتلال الصدارة العالمية ، الامر الذي يجعلها مرشحة لفقدان هذه الصدارة لحساب اطراف دولية اخرى ، اخذت مصالحها تتضرر بفعل اساءة اميركا للاحادية ، وهي تغزو بعض الدول كالعراق وافغانستان وتنسحب من بعض الاتفاقيات والمنظمات الدولية وتضرب بقرارات الشرعية الدولية عرض الحائط كما هو الحال في موضوع صفقة القرن الذي يجسد تعاطيها المنحاز مع الكيان الاسرائيلي في صراعه مع الفلسطينيين من خلال تجاهلها وعدم احترامها للمرجعيات والقرارات الدولية التي تؤكد على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره واقامة دولته على اساسا حل الدولتين . حتى ان ادارة ترمب دخلت في اشكاليات وصراعات مع الحليف الاوروبي ، ممثلا بدول الاتحاد الاوروبي الذي اخذ يفكر جديا بالاستغناء عن الولايات المتحدة وعدم التعاون معها امنيا وسياسيا واقتصاديا ، وبضرورة الاعتماد على الذات في هذه المجالات بعد ان ولى زمن الاعتماد على الاخرين ( الولايات المتحدة ) ، لدرجة ان هذه الدول اخذت تفكر بانشاء مظلة امنية خاصة بها . الامر الذي من شأنه تغيير خارطة موازين القوى الدولية ، وجعل المشهد الدولي مفتوحا على كل الاحتمالات ، بطريقة قد تدفع الامور نحو سيناريوهات وتحالفات دولية جديدة على اساس المصالح المشتركة ومواجهة اساءة الاحادية من قبل الادارة الاميركية ، بحيث يجد العالم نفسه امام نظام دولي جديد ، وقد تحول من الاحادية القطبية الى متعدد الاقطاب .