10-02-2020 01:04 PM
بقلم : ابراهيم ابوعتيله
بعد أن :
– عملت أمريكا كل جهودها لتدمير الوطن العربي وقضت على الروح القومية لدى أنظمة دوله الحاكمة.
– تم تدمير قدرات العراق واليمن وليبيا وإنهاك سوريا وأشغلتنا أمريكا وعملاؤها بالطائفية والمحاصصة والفساد وتعدد الولاءات.
– روضت الصهيو أمريكية الشارع الفلسطيني منذ عام 1974 وبرنامج النقاط العشر/ البرنامج المرحلي وصولاً لأوسلو المفاوضات الممتدة .
– أوصلنا إليه العرفاتيون والعباسيون من حالة يائسة وأصبحوا حراساً للاحتلال يعادون ويعاقبون كل من يرفع صوته ضد الاحتلال وزبانيته.
– أصبح الإنقسام الفلسطيني حقيقة واقعة استعصى عليها العلاج مجسدة حالة الحصار على قطاع غزة وتفشي الفقر والجوع والبطالة لتعميق حالة اليأس والقنوط.
… وبعد الزيارات المكوكية التي قام بها كل من ترامب وصهره كوشنير وبومبيو للمنطقة وإلى مراكز القرار العربي للتنسيق معها…. وبعد نباحات ترامب الكثيرة والمتكررة عبر حسابه على تويتر حول خطته ” للسلام ” في المنطقة وكأنها فيلم هوليوودي منتظر ..
بعد كل ذلك أصبح المشهد أو الفيلم الهوليوودي حقيقة ففي برنامج احتفالي لترامب ونيتنياهو عرض ترامبو اشتراطاته وإملاءاته للاستسلام الفلسطيني بعد تيقنه وحصوله على مباركة قطيي اليمين ” الإسرائيلي” حين أعلن نيتنياهو بأنه قد عمل طيلة السنوات الثلاث الماضية من أجل الوصول لتلك الشروط والإملاءات التي تنافي كل حق وقانون ومنطق، فيما سبقه منافسه غانتس بتلبية دعوة ترامب والموافقة على تلك الخطة… وهل يحلم الصهاينة بأكثر من ذلك وبكرم أكثر من كرم ترامب .
وعليه فقد بات الفلسطينيون اليوم، في مواجهةٍ حقيقيةٍ مع ترهات هذا الرجل المأفون وإدارته العنصرية، وإجراءاته المجنونة، فالأمر بات جللاً والتهديد أصبح عاصفاً والجعجعة صارت طحناً، ولم يعد هنالك مجال للتروي والانتظار والترقب وفحص النوايا واختبار السياسات، فالقادم جدُ خطير في ظل وجود قيادة ” فلسطينية ” مستسلمة ، وهي القيادة التي خلعت 78% من ثيابها ظناً منها بأنها ستحافظ على شرفها وهي التي لا ترتدي إلا 22 % من ثيابها وهي التي لم تجد رداً إلا التباكي تارةً واستجرار الماضي والتنظير الفارغ تارات اخرى ..
وتداعى العرب لاجتماعات عكاظية تلبية لدعوة قيادة فلسطينية متباكية ، وسمعنا خطابات لا تخلو من التورية والتمويه ، كيف لا ومنهم من شارك في حفل إعلان الإملاءات والشروط ، ومنهم من كان موافقاً عليها ، ومنهم من سيوافق عليها ، ومنهم من تلوث بالتطبيع سراً أو علناً مع العدو الغاصب ، متناسين ما يفرضه الدين وما تفرضه قواعد التحرر والدفاع عن الوطن ومنهم من لغى من قاموس لغته عبارة العدو الصهيوني وبات يدافع عن حق اليهود ويندب ” محرقتهم ” ويعزي بضحاياها الوهميين …
ولم يكتفوا بذلك حين غيروا قواعد اللعبة واتخذوا من ايران عدواً بدلاً من الصهاينة وهم بهذا يتفقون مع ما ورد من شروط وإملاءات طلبها كوشنر ونيتنياهو وكبيرهم ترامب ، الذين اصروا بالموافقة على شروطهم بمعاداة ومقاطعة ايران وحزب الله بل وتجاوزوا كل الخطوط حين اشترطوا على ما يسمى ” السلطة الوطنية الفلسطينية ” بمقاطعة حماس والجهاد الاسلامي وأي فصيل يتبنى المقاومة المسلحة ومعاداتخم مقابل تخصيص عدة غيتوات لإسكان الفلسطينيين في ” يهودا والسامرة ” .
إن ما حصل من مهرجانات صهيونية وما تم نشره من إملاءات أمريكية يرجع لحالة التخاذل والاستسلام العربي والفلسطيني الذي بدأ منذ نصف قرن تقريباً وذلك عندما تبنت ” منظمة التحرير الفلسطينية ” برنامج النقاط العشر – البرنامج المرحلي – سنة 1974 ، هذا البرنامج الذي اتاح بشكل واضح للمفاوضات طريقاً لتحقيق الحقوق ، وكأن التفاوض يجعل عدوك المحتل يتخلى عما اغتصبه بمجرد الكلام ، ولم يقف الأمر عند هذا الحد وفي ظل هذا البرنامج اعترف العرب ب ” منظمة التحرير الفلسطينية” ممثلاً شرعياً ووحيداً لشعب الفلسطيني … فترهلت تلك المنظمة وأصبحت منظمة الشخص الواحد … وترعرع فيها الفساد والمحسوبية والتخاذل ومضينا للتفاوض … ومع عدوان كيان العدو على لبنان سنة 1982 ووساطات فيليب حبيب انتهت المقاومة المسلحة عملياً حين غادرت البندقية الفلسطينية حدود فلسطين ، وبدأت المؤتمرات والمفاوضات واستغلت ” المنظمة ” انتفاضة الشعب الفلسطيني ليجد قادة تلك المنظمة لهم مقاعد على كراسي السلطة في رام الله ، من خلال تتويج المفاوضات بتوقيع اتفاقية الاستسلام الأولى في اوسلو حيث تخلى الممثل الشرعي والوحيد عن 78 % من فلسطين بانتظار أن يمنحهم العدو كياناً ، متخلين رسميا عن المقاومة المسلحة ، فعملوا على تعديل الميثاق الوطني الفلسطيني وبدأوا بخدمة أمن وسلامة العدو من خلال ما يسمى ” التنسيق الأمني ” ، ظانين بان الغاصب سيفي بذلك ويتوقف عن الاغتصاب مخالفين الواقع الذي يقول بأنه إن تخلت الطريدة طواعية عن 78 % من ثيابها فإن الغاصب لا بد وان ينهي عملية الاغتصاب ولو بالقوة ….
ولقد تسلحوا ” قادة منظمة التحرير الفلسطينية ” بالمفاوضات طريقاً لتحقيق اهدافهم ، فأصبحت حياتهم مفاوضات وتنسيق أمني يحرم استخدام السلاح ضد العدو ويرفض بقوة المقاومة المسلحة ويهدف إلى نزع السلاح من كل من ينادي بالمقاومة فحاصروا غزة وجوعوا اهلها لقتل روح المقاومة فيها في ظل وقت كان فيه العدو يتربص ويعمل على ابتلاع الارض ويزيد من عصاباته في الضفة الغربية وتفتيتها بالطرق الالتفافية وخلق الغيتوات العربية التي أصبحت على شكل جزر شكلت فيما بينها أرخبيلاً ضمنه كوشنر في خريطته للإمبراطورية الفلسطينية الموعودة …
إن ما قدمه ترامب بمسرحيته السخيفة مضموناً وتمثيلاً لا يعدو كونه تتويجاً لما فعله كيان صهيون من اغتصاب ، فلقد سبق المسرحية قيام العدو بنهب الأراضي وضم الجولان وفرض على أمريكا بقيادتها الانجيليكانية الصهيونية الاعنراف بالقدس عاصمة للكيان … وكل ذلك مقابل زمجرة فارغة من مجموعة أسمت نفسها قيادة الشعب الفلسطيني ، زمجرة لم ولن تغير من الواقع شيئاً ..
اختلفوا على اسمها ، صفقة القرن أم خطة السلام أم خطة ترامب للسلام ، فإن كانت صفقة فهي صفقة بين كيان العدو وامريكا فقط ولكنها لا تتجاوز كونها إملاءات وشروط الصهيونية وأمريكا لاستسلام الفلسطينيين وطي الملف الفلسطيني وإلى الأبد .
أن من يستعرض ما جاء في مأ اسموه صفقة القرن ليصل وبالضرورة إلى تسميتها مجموعة الشروط والإملاءات التي يجب على الفلسطينيين قبولها حتى تقبل ” اسرائيل ” وأمريكا بالاعتراف بالارخبيل الفلسطيني البري دون أن يكون لهذا الأرخبيل أي سيادة على الأرض أو اي حدود مع غير الكيان المحتل ، وبالرغم من كل ذلك عليه ان يستسلم لكونه دون سلاح وعليه أن يعادي كل يد تقاوم سواء كانت حماس او الجهاد الاسلامي أو ايران ، فقاعدة تسمية الأعداء يجب ان تتفق وقواعد الصهيونية وأمريكا …
فما هو الرد .. لقد حصرت مجموعة اوسلو الرد بالتهديد المكرر وغير المنفذ بوقف التنسيق الأمني وبالذهاب لعقد والمشاركة بالمؤتمرات رفع القضية لمجلس الأمن لاستصدار قرار ضد تلك الخطة ليقرر هذا المجلس مخالفتها للقانون الدولي الذي ستمثله فيه الادارة الأمريكية بصوت الرفض القاطع لاعتقاد مجموعة أوسلو بأن تحرير البلاد لا يتم إلا من خلال تلك المنظومة التي تتسيدها أمريكا …
لقد آن الأوان للقول بأن الحياة مقاومة وليست مفاوضات ، وآن الأوان للعودة إلى الميثاق الوطني الفلسطيني كما كان قبل عبث العابثين به ولا بد أن نعترف بأن فلسطين محتلة من النهر إلى البحر ومقاومة المحتلين بكل أساليب المقاومة وعلى رأسها المقاومة المسلحة وعلى المتكرشين في سلطة أوسلو والجاثمين على صدور الشعب الفلسطيني أن يتنحو وأن يتم حل تلك السلطة المسماة تجاوزاً ب ” الوطنية ” الفلسسطينية .