11-02-2020 10:44 AM
بقلم : أ.د عبد الناصر هياجنة
القانون أداةٌ لتغيير المجتمع وتطويره، وهو قادرٌ على فعل ذلك؛ لما للقانون ومؤسساته من حضور في وعي الناس وحياتهم وسلوكهم. فالأفراد يحاطون علماً بالقانون بالوسائل الرسمية المقررة، وغاية ذلك العلم والامتثال. ومع الوقت يصبح حكم القانون واقعاً يتعايش الناس معه ويمتثلون أحكامه.
ويستطيع المشرّع توظيف القانون للمبادرة وخلق واقعٍ جديٍد وثقافةٍ جديدة، ودعم أفكارٍ رائدةٍ، وتشجيع نشاطٍ يراد له الاستمرار والتطور، كما يمكن للدولة أن توّظف التشريع لبناء السمة الوطنية للدولة والمجتمع. وفي دولة قطر، بدا أن الدولة تعتبر الرياضة مركز ثقلٍ يستحق الاهتمام فيه والاستثمار، وهي تريد للمجتمع أن يدعم فكرة الاستثمار في الرياضة واعتمادها كأسلوب حياةٍ صحيّة، وسمةٍ وطنيةٍ لدولة قطر التي تقدم نفسها كعاصمة للرياضة في المنطقة والعالم، هذا دون إغفال فوائد وعوائد الرياضة على كافة المستويات.
وكخطوةٍ في اتجاه الريادة في المجال الرياضي فقد صدر القرار الأميري رقم 80 لسنة 2011 بشأن اليوم الرياضي، والذي قضى في المادة الأولى منه باعتبار "يوم الثلاثاء من الأسبوع الثاني من شهر شباط/ فبراير من كل عام يوماً رياضياً للدولة". كما قررت المادة الثانية من القرار بأن "تتولى الوزارات والأجهزة الحكومية الأخرى والهيئات والمؤسسات العامة، والجهات والمؤسسات والكيانات التابعة لها، وكافة الجهات العاملة في الدولة بما في ذلك القطاع الخاص، تنظيم فعاليات رياضية وحركية في اليوم الرياضي للدولة، يشارك فيها العاملون والمنتسبون إليها، بما يتناسب مع أوضاعهم وأعمارهم، لتحقيق الوعي بأهمية الرياضة ودورها في حياة الأفراد والمجتمعات". حيث تلتزم هذه الجهات بتزويد المشاركين بما يلزم للمشاركة في الفعاليات التي تنظمها. وفي الجانب الحقوقي، قضت المادة الرابعة من القرار باعتبار "اليوم الرياضي للدولة إجازة رسمية مدفوعة الأجر".
ومع مضي الوقت ترسخت التجربة، وأصبحت الرياضة حدثاً يستحق الاحتفال ليس فقط في اليوم الرياضي للدولة، بل في كل يوم، حتى غدت الرياضة ثقافة شعبٍ ودولة تسعى لجمع الناس وتثقيفهم، وتطمح لتغيير صورة المنطقة في العالم من بؤرة توتر وصراع إلى واحة أمنٍ واستقرارٍ ونماء. تجمع الحضارة وتراكم الإنجازات وتخطو للمستقبل بثقةٍ وأملٍ بغدٍ أفضل. وتقدم نموذجاً ناجحاً على قدرة التشريع على تطوير المجتمع وتغييره وبناء السِمة الوطنية للدولة والمجتمع.
المبادرة القطرية الرائدة بتخصيص يومٍ للاحتفال بالرياضة لقيت استحساناً من دول العالم المختلفة التي قررت استنساخ التجربة القطرية واعتمادها، ومن هذه الدول اليابان وماليزيا وإيران والهند والبحرين والإمارات، ولعل الأبرز من ذلك كله أن الأمم المتحدة أعطت فكرة التجربة القطرية بعداً عالمياً على مستوى الكوكب بأن خصصت يوم السادس من نيسان/ إبريل من كل عام ليكون يوماً رياضياً عالمياً، وما زالت فكرة اليوم الرياضي تكتسب المزيد من الحضور والاهتمام والاستنساخ، فمن قطر إلى العالم وصلت الرسالة وعنوانها أن الرياضة ثقافة وأن الرياضة تجمع الناس وتصنع الفرقَ والقوة في عالم لا يحترم إلا الأقوياء مثلما أن القانونَ قادرٌ على صناعة الريادة وتعزيزها وقيادة التغيير وتوجيهه. وباختصار فالمبادرة القطرية في شأن اليوم الرياضي للدولة تستحق الاحترام والمحاكاة.