16-02-2020 04:48 PM
سرايا - عقد المنتدى العالمي للوسطية ندوة بعنوان " التنويريون في الميزان وذلك يوم الأحد الموافق 16/2/ 2020، بداية رحب المهندس مروان الفاعوري الأمين العام للمنتدى بالضيوف وقدم كلمة ترحيبية قال فيها الحمد لله الذي جعل الظلمات والنور، والظِّلَ والحَرور..
الحمد لله نور السماوات والأرض الذي ضرب لنوره مثل المشكاة والمصباح وجعل النور مبدأ الهدى وغاية الصلاح..
وبعد أيها الأخوة والأخوات، فإن مما استفاض على الألسنة، وعقدت له الندوات منذ مطالع قرننا هذا وما سبقه من عقود، هذا الحديثُ الدائرُ عن التنوير مناهِجِه وأدواته ومقاصِدِه، ومبلغِ حاجة أمم الأرض ولا سيما أمتنا العربية إليه، وهو أمر اتخذ له المنتدى العالمي للوسطية عُدّة النظر منذ قيامه، وتولاه بالإضاءة ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، وسعى سعيه لكي يكون هو السمة الغالية على حياتنا الفكرية والسياسية، توسلاً إلى الرشاد والسداد، ودفعاً للظلمة وضيق الإفق ونَزَق التفكير، تشهد بذلك المؤتمرات العديدة والندوات المتتابعة التي عقدها المنتدى منذ عام 2004م إلى يومنا هذا كما تشهد به الكتب والنشرات التي أصدرها، وأعداد دوريّة " الوسطية" التي ينتظم صدورها منذ قيامه.
على أن " التنوير " على ما يفهم باديَ الرأي من دلالته قد لايكون هو المقصود من معظم الدعاوى التي اتخذته شعاراً، ولابد لنا من تنخُّل هذه الدعاوى وتبيّن منطلقاتها وأهدافها، ومعرفة مهاب رياحها، إذ لطالما التبس علينا أمرها ولطالما استشعرنا ضرورة أن نتسلح بفراسة المؤمن إزاء ما يخرج به علينا كثير من الخلق بإسم الإستنارة والتنوير والأنوار، وما شئت من شعاراتٍ مرفوعة بإسم العقل والوعي والتسامح وما جرى مجرى ذلك كله أو كان على سبيل منه معوّج أو مستقيم.
وإن من مفارقات زماننا هذا أن نرى إلى مؤمنين بلا حدود إلا ما يرسمها لهم الصهاينة ودوائر الإستعمار، وأن دعاة " إبراهيمية" لا يعتقدون برب إبراهيم الواحد الأحد الفرد الصمد، وإلى دُعاة سلام يستبطنون حرب الإسلام وإلى دعاة حقوق يهتضمون أبسط الحقوق، وعلى ذلك يطرد القياس لمن كان له سمع أو ألقى السمع وهو شهيد " ونحن في كل حال لا ننخدع بهذا كله أبداً "
أيها الأخوة والأخوات الحضور، فُضلاء وفاضلات،،
نتوخى، في هذه الندوة التي تأتي في سياقها من أعمال الإصلاح والتنوير التي ما يزال يباشرها المنتدى العالمي للوسطية منذ ستة عَشَرَ عاماً ونيّف أن نقدم إسهاماً معرفياً معتبراً في إضاءة جوانب من مسألة " التنوير " هذه وأشكال من دلالاتها.
ونحن نستضيف لهذه الغاية النبيلة كُلاً من الأستاذين الدكتور رائد عكاشة المستشار في المعهد العالمي للفكر الإسلامي في الأردن ومعالي الدكتور محمد أبو رمان وزير الثقافة السابق، آملين أن نكون بهما ظاهرين على حقيقة التنوير المعاصرة وعلى ما يتعلق بها من تساؤلات أو يتداخل فيها من أسباب ودواعٍ ومقاصد، مؤكدين ابتداء حسن انتفاعنا بما سيكون في ندوتنا هذه، التي سيديرها مشكوراً الأستاذ الدكتور محمد الرواشدة، وآملين أن يُقيّض الله سبحانه وتعالى لنا نُجحَ المسعى وأجر المجتهدين.
تناولت الندوة محمورين، الأول الإطار المفاهيمي والسياق التاريخي لحركة التنوير، التعريف والأسباب والأهمية مالها وما عليها، قدمه الدكتور رائد عكاشة مستشار المعهد العالمي للفكر الإسلامي وقال:
مفهوم التنوير :
- في الإطار المعجمي : تعريف معجم اللغة العربية ( الوسيط ) لمصطلح التنوير حركة التنوير : حَرَكَة قامت بأوروبا تَعْتَمِدُ وَكُرَة التُقدّم وإغمال العقل في فهم واقع المُجمَع وَالتَحَلَي عَن أفكار الماضي - في الإطار الغربي : كما عرفها كانط : " خروج الإنسان من حالة الوصاية عليه ، التي هو المسؤول عنها . وحالة الوصاية هذه هي عجزه عن استعمال عقله دون إرشاد من غيره . إن حالة الوصاية هذه ليست آتية من نقص في الإدراك العقلي ، بل من نقص في الإرادة والشجاعة في استعمال العقل دون توجيه من الغير . فلتكن لك شجاعة الاهتداء بعقلك وحده . ذلك هو شعار الأنوار . " وقد تجلت فلسفة الأنوار في جميع المجالات لا سيما في الإصلاح الديني الذي مثلته حركة الإصلاح البروتستنتي .
- في الإطار التداولي : يعرفها مراد وهبة " التنوير مفاده أنه لا سلطان على العقل إلا للعقل نفسه . . وهو من هذه الزاوية أساس الليبرالية والماركسية على الرغم من تناقضهما . وتفسير ذلك مردود إلى أحد قوانين الجدل وهو وحدة وصراع الأضداد . " مرتكزات التنوير في الفكر الغربي : الأصول التأسيسية التي قامت عليها حركات التنوير لعل الإطار العام لهذه المرتكزات قائم على مبدأ الحرية والفردانية والعلمانية ، ومثلت الفلسفة الداروينية القائمة على الصراع والفلسفة الوضعية الإطار العام لهذه الحركات .
1 . القطيعة : - قطيعة مع عالم الغيب أي مع الدين ( ممارسة الإكليروس / فضلاً عن أن النص لاديني لم يقدم إجابات تشريعية وعملية للإنسان في النطاق الغربي ) وأصبح عندنا أنسان بلا غيبيات ، وجاءت العبارة المشهورة لماكس فيبر ( نزع الطابع السحري عن العالم ) وهذه العبارة التي تأثر بها كثير من المفكرين التنويرين العرب ومن أهمهم أدونيس وآركون . ودعا فيبر إلى محو عالم الغيب من تصورات الإنسان ، فالإنسان في الزمن الحديث مطالب بالاهتمام بالعالم الواقعي الحسي.
العقل : - عقلانيات بلا روحانيات : لم تعد هناك صلة بين العلم والدين ، وتم الفصل بينهما وأصبح الدين أشبه بالأسطورة التي أنتجتها الإنسانية ، وغداً ممكناً إخضاعه للدراسة باستخدام المنهج العلمي الوضعي . ( إشكالية مفهوم الموضوعية ) . وعند ماركس أن الإنسان كائن مادي ينتمي إلى عالم الطبيعة ، وأن معارضة العقل بالكتاب المقدس هو قتل الفكر الحر بواسطة الخرافة . - المقولة الأساس في الفكر التنويري : " فلتكن لك شجاعة الاهتداء بعقلك وحده " . فالعقل قادر بشكل مطلق على معرفة العالم ، لذلك فالبحث فيما هو خارج المكان والزمان وفي وجود خالق من عدمه يعتمد اعتماداً كلياً على العقل الإنساني ، فالعقل الإنساني في نهاية المطاف يستطيع معرفة كل شيء وأن يحقق السعادة للإنسان . وهو الذي يحقق له وجوده وذاته ، وهنا نستحضر مقولة ديكارت " أنا أفكر إذن أنا موجود " التي تعطي الأولوية والأهمية للعقل في بناء المعرفة على باقي مصادر المعرفة الأخرى . - فالإنسان العاقل المزود بالعقل النقدي الفعال ( الذي لا يقبل إلا البدهيات الواضحة وما يتفق مع المنطق ) ، والحواس ( التي لا تقبل إلا ما يُقاس ) ، والتجريب ( الذي تخضع له كل الموجودات ) يرفض أي حقائق متجاوزة للواقع المادي المحسوس مثل الاساطير والأوهام والغيبيات والعقائد . وهذه الرؤية تمنح صاحبها تفاؤلاً عميقاً وتحرر الإنسان من مخاوفه وتضعه في مركز الكون وتنصبه مرجعية نمائية . )
الأنسنة : - كما عرّفها معجم لالاند " مركزية إنسانية متروية ، تنطلق من معرفة الإنسان ، وموضوعها تقويم الإنسان وتقييمه ، واستبعاد كل ما من شأنه تغريبه عن ذاته ، سواء بإخضاعه لحقائق ولقوى خارقة للطبيعة البشرية أم بتشويهه من خلال استعماله استعمالا دونياً دون الطبيعة البشرية " ، فهي رد على التقديس . . - ويعرفها كل من آركون وهاشم صالح " هي تركيز النظر في الاجتهادات البشرية لتعمّل الوضع البشري ، وفتح آفاق جديدة لمعنى المساعي البشرية لإنتاج التاريخ ، مع الوعي أن التاريخ صراع مستمر بين قوى الشر والعنف وقوى السلم والخير والجمال والمعرفة المنقذة من الظلام " بعبارة أخرى : الأنسنة تعني الاعتقاد بأن الإنسان هو ذات خالقة للمعنى . وأن الإنسان الفاعل الأول في التاريخ . . - ولأن الإنسان يمتلك العقل الذي هو مقدّس فهو بذلك مركز الكون ومصدر معرفته . - والإنسان مكتف بذاته وهو النقطة المرجعية النهائية ويولد معياريته من داخله . بما فيها الأخلاق
ترى حركة التنوير العربية أنه ينبغي تفكيك هذا العقل التقليدي ، ومن ثم إعادة اكتشاف ذاته مرة أخرى من خلال النظر في موقعة الأرضي لا النظر في السماء ، فينتقل من مجتمع الوحي والتقليد والثبات والمحافظة إلى مجتمع العقل والإبداع والتحول والتمرد . وهذا كما يرون - يتطلب من الإنسان التخلي والتحلي ؛ التخلي عن الأصول التأسيسية التي شكلت فكره ومعارفه ، والتحلّي بالعقلانية بوصفها التجلي الأكبر لمفهوم الحداثة ؛ فالجاهلي لم يكن مبدعاً إلا لأنه تخلى عن الإله ، و لم تكن ترَكَه فاعلية دينية نحو تعالي إلهي يخلص له . فهو عالق بالأرض يبحث ، من خلال وثنيته ، عن تعالي من نوع آخر ، هو التعالي الأرضي . . وتبلغ التخلية أوجها باتباع التعاليم النيتشوية بقتل الإله وإزالة ظلاله من أجل بناء عالم جديد ؛ إذ لا سلطة تعلو على سلطة الإنسان ، وبقتل الإله يسترد الإنسان صورته الحقيقية )
إشكالية التلقي
ثمة فائدة قدمتها حركة التنوير بأنها سلطت الضوء على قضايا عديدة لم يتنبه إليها الفكر العربي والغسلامي ولم يولها أهمية في تأسيساته النظرية وتطبيقاته العملية مثل : موضوع التنظيمات الإدارية والدولة المدنية وموضوع الإنسان بصورة عامة : الحرية والمكانة والدور إلخ . مما أدى إلى حراك وتنوير للفكر كي يناقش هذه القضايا .
أما المحور الثاني تناول حركة التنوير وأسئلة التغيير، والإصلاح والنهضة( ضرورة أم ترف فكري) وقدمه معالي الدكتور محمد أبو رمان.
وقال:
" إن مدارس الإصلاح في الفكر الإسلامي المعاصر " كانت متعدّدة كما هو معروف ، لكن ارتبطت كل مدرسة من هذه المدارس بحقبة تاريخيّة وبتحدّيات خاصّة . وقد ركّزت في أطروحتي للدكتوراه ، في البداية ، على ما سمّى المسألة الثقافيّة بروافدها المتعددة والمتنوّعة ، وفي مقدمتها مدرسة الإصلاح الديني أو ما يطلق عليها البعض التنوير ، وقد كان من أبرز روادها وشيخها الرئيس هو الإمام محمد عبده الذي تحدث عن أهمّيّة وأولويّة الإصلاح الديني على الإصلاح السياسي ، ومن بين الرموز الذين تناولتهم من بين تلك المدارس مالك بن نبي الذي تحدث عن سنن التغيير المعروفة ، كذلك المعهد العالمي للفكر الإسلامي الذي تناول الأزمة الفكريّة واعتبرها جوهر المشكلة .
ما كان هناك موقف وما يزال موجودا المدرسة تيّار الفكر الإسلامي الذي لا يرى أي أهمّيّة في الإصلاح السياسي الداخلي إلا في ضوء أهمّيّة أو أولويّة العامل الخارجي وضرورة مواجهة المشروع الصهيوني الإسرائيلي والاستراتيجيّات الدوليّة الكبرى ، وبالتالي يسف أو يقبّل من شأن التنمية الاقتصاديّة والإصلاح السياسي ، وقد ركزت في هذا الجانب على الأستاذ منير شفيق ومقولاته وعلى اعتباره الدولة القطريّة هي أساس البلاء .
انتقل الخطاب الإسلامي من التركيز على الناس الذين يقومون بمواجهة الجمود والتقليد إلى الطليعة المقاتلة التي تقاتل الطاغوت والتي تقيم الدولة الإسلاميّة ، والأدبيّات التي سادت في هذه المرحلة خوّنت بدرجة ما مدرسة الإصلاح الديني ، وهناك العديد من الكتب التي تمّ الترويج لها والتي ترى في مدرسة الإصلاح الديني بأنها مهادنة للاستعمار والاستبداد بنوع ما ، حتى نهاية القرن العشرين ، المدرسة الإحيائيّة الحركيّة بكل تفاصيلها الإخوانيّة ومن ثم السلفيّة بتفاصيلها المختلفة المتعدّدة كلها قامت على مقولات إنّ الإسلام ليس بحاجة إلى تجديد بالمعنى الذي دعت إليه مدرسة الإصلاح الديني ، وإنما بحاجة إلى تنقية وتحريك ، وبحاجة إلى تجنيد وتعبئة
كانت هناك فلسفة ثاوية وراء الاهتمام بالإصلاح الديني ، إذ لم يكن منعزلا عن الموضوع السياسي ، لكنه كان مقدّمة للعمل أو للموضوع السياس ، لأنّه بالنسبة لهم كانت الطبقتان الوسطى والدنيا هما مناط الإصلاح الديني ؛ بمعنى أنّ الإصلاح الديني يؤدّي إلى ثورة صناعيّة وعلميّة ، الثورة الصناعيّة والعلميّة تؤدّي إلى حراك اجتماعي ، والحراك الاجتماعي يؤدّي على مواجهة السلطة المستبدّة من خلال مجتمعات استطاعت أن تتحرّر عقليًا وفكريّا وصناعيّا وعلميًا .
و الرسالة الأخيرة التي أود أن أتركها للنقاش لكنها كانت دائما ما تخطر في بالي ، الفترة الأولى كان هناك تركيز على العمل التنويري ، العمل التجديدي ، الإصلاح الديني واستبعاد العمل السياسي بشكل كبير ، أصبح كأنه هناك غربة ما بين الإصلاحيين التنويرتين المثقفين الذين يعملون في هذا الحقل ، وما بين الشعوب وما بين المجتمعات .
وفي نهاية الندوة التي أدارها الأستاذ الدكتور محمد الرواشدة أجاب المحاضرون على أسئلة الحضور ومداخلاتهم.