19-02-2020 10:32 AM
بقلم : أ.د عبد الناصر هياجنة
الحديثُ عن قطر والأردن حديثٌ ذو شجون، فهما دولتان عربيتان بينهما الكثير من القواسم المشتركة، فالدين واللغة والعروبة تجمع الشعبين القطري والأردني بعُرىً وثقّى لا انفصام لها، والرؤية المستقبلية لقطر والأردن فضلاً عن ارتفاع مستوى التعليم وجودته النسبية فيهما قياساً بالجيران والأقران. كما أن ثقافة المجتمعين الأردني والقطري تتماثل بدرجةٍ تُثير الدهشة والإعجاب، وإن الإقامة لسنواتٍ في دولة قطر تؤكد حقيقة التقارب المثير للإعجاب بين ثقافة وموروث الشعبين القطري والأردني وتطلعاتهما.
وفي إطار السياسة العامة الداخلية والخارجية للدولتين، فهما يتفقان في الخطوط العريضة من حيث السعي الدائب للارتقاء بمستوى الخدمات العامة للناس، مع تقدمٍ نوعيّ ملحوظٍ لدولة قطر في هذا الإطار، كما أن الدولتين تحظيان بمكانة دولية معتبرة في الإقليم والعالم. فقطر والأردن تتمتعان بميزتي الأمن والاستقرار على الرغم من اضطراب المنطقة وتعقيداتها الأمنية والجيوسياسية.
وعلى صعيد الروافع التي تدعم التكامل بين قطر والأردن، يمكن رصد الكثير من الموارد الطبيعية والبشرية بين الدولتين الشقيقتين، فالثراء الذي تتمتع به دولة قطر يقابله فرصٌ ممكنه للثراء في الأردن بالتخطيط والاستكشاف والاستخدام الأمثل للموارد المتاحة وبدائلها، فضلاً عن وفرة الموارد البشرية الأردنية في جميع قطاعات التنمية، كالتعليم العام والتعليم العالي والصحة والزراعة والصناعة والطاقة والهندسة وتكنولوجيا المعلومات وغيرها في قطاع الخدمات والتي توفر فرصاً هائلةً وممكنة للتكامل والاستفادة من هذه الموارد في شتى مجالات التنمية والاستثمار والعمل في قطر والأردن على المدى القصير والمتوسط والبعيد.
ويبدو الميدان الاقتصادي عاملاً حاسماً ومهماً في رسم واقع ومستقبل العلاقات القطرية - الأردنية في حدود ممكنات السياسة وضرورات تقارب المواقف من القضايا العربية الكبرى. وفي هذا الإطار يحتاج الأردن لصياغة علاقاتٍ متوازنةٍ مع كافة الأطراف على أسس الاحترام المتبادل لمقتضيات سيادة الدول وخياراتها، وتقدير المصالح الوطنية واحترام الثوابت والفهم العميق لواقع ومحددات السياسة الخارجية للدول بعيداً على الاصطفاف الذي يُضعف القدرة على التأثير في الأحداث وتطوراتها.
هذا مع التأكيد على واجب وأهمية السعي لإصلاح ذات البين بين الأشقاء في إطار المساعي الحميدةِ التي تقودها دولة الكويت الشقيقة وعقلاء الإقليم وصولاً إلى أرضيةٍ مشتركةٍ للحوار والمصالحة التي سيكون لها – بطبيعة الحال - مردودها الإيجابي على كل الأطراف المعنية، والأهم من ذلك الدور الحاسم للمصالحة والتوافق العربي في خدمة مجمل قضايا المنطقة، وبشكلٍ خاص، القضية الفلسطينية التي تعيشُ زمناً صعباً للغاية ومنعرجاً خطيراً وسط انحيازٍ أمريكي جارفٍ للطرف الصهيوني على حساب الحقوق المشروعة للشعب العربي الفلسطيني.
وإذا كان ثمة ما يدعو الدول إلى الحياد في عواصف السياسة الهوجاء؛ استجابةً لإكراهات الواقع، فقد يرى البعضُ – بحقٍ - أنه إذا لم يكن من الانحياز بُد، فالأولى بناءُ المواقف على مقتضى إنحيازاتٍ مبدئيةٍ وأخلاقيةٍ مشرّفةٍ وبعيدةِ المدى في إطار الوعي المستنير باحتمالات هذه المواقف ومآلاتها.
تُدركُ دولة قطر الأهمية المركزية للأردن في هذا الإقليم المعقّد، كما تُدركُ التحديات والضغوط التي تواجه الأردن خاصةُ على صعيد الاقتصاد. كما يُدركُ الأردنُ أن دولة قطر لاعبٌ إقليميّ ودوليّ له وزنه واحترامه بفضلِ اعتمادها سياسةً راشدةً على الساحة الإقليمية والدولية، ولذلك؛ لم تنقطع العلاقات الأردنية – القطرية على الرغم من صعوبة السنوات الماضية وتحدياتها، بل حافظت هذه العلاقات على مستوياتٍ معقولةٍ من الاستمرار، وتطورت مع الوقت، والمأمولُ أن تشهد هذه العلاقات انطلاقةً جديدةً يكون لها أثرها الإيجابي على الدولتين والمنطقة على كافة المستويات.