19-02-2020 10:43 AM
بقلم : أ.د رشيد عبّاس
عند الحديث عن العرب اقصد بالضبط الـ(22) دولة عربية, والدول العربية هي عبارة عن مجموعة من الدول التي تشترك في مصالح، وأهداف، وثقافة واحدة، ممتدة من الخليج العربي شرقاً حتى المحيط الأطلسي غرباً، بمساحة تقدّر حوالي 14مليون كيلومتر مربع، والبالغ عددهم نحو (400) مليون نسمة تقريبا, والدول العربية معنية بطريقة او بأخرى بملف فلسطين في ابعاده السياسية المتشعبة منذُ عام 1948م, والسؤال المحوري هنا هو: هل العرب لديهم الآن القدرة والاستعداد للتعامل مع هذا الملف الشائك؟ في الوقت الذي فيه ملف فلسطين يعني من ضمن ما يعنيه تحرير فلسطين من الاحتلال الاسرائيلي الذي بدأ منذُ عام 1948م, سواء كان ذلك التحرير بالسلاح او بالتفاوض, او ربما حفظ هذا الملف الى ان يرث الله الارض ومن عليها, وقد يتساءل البعض هنا, اي من هذه الخيارات يمكن للدول العربية اللجوء اليه في ظل ظروف واحوال وامكانات الدول العربية الراهنة؟
اعتقد جازما ان من يقرأ التاريخ جيدا سيجد دون ادنى شك ان جميع حالات تحرير الارض عبر التاريخ البشري قد تمت اما عن طريق القتال او عن طريق التفاوض, وخلاف ذلك تبقى الارض المحتلة بيد المحتل الى ان يرث الله الارض ومن عليها, وهنا يمكن طرح ثلاثة اسئلة, اول هذه الاسئلة يقع في اطار هل العرب لديهم القدرة على خوض القتال مع الاسرائيليين لتحرير ارض فلسطين؟ وثاني هذه الاسئلة يقع في اطار هل العرب لديهم القدرة على خوض التفاوض مع الاسرائيليين لتحرير ارض فلسطين؟ في حين ان السؤال الثالث يقع في اطار هل العرب لديهم الاستعداد على ترك ارض فلسطين تحت الاحتلال الاسرائيلي الى ان يرث الله الارض ومن عليها؟
الاجابة على مثل هذه الاسئلة امرا ليس سهلا على الاطلاق, فجميع الحالات والطرق سابقة الذكر والمتعلقة بالقتال او التفاوض او ترك الارض للمحتل الى ما شاء الله, كل ذلك يتطلب بناء مشروع اتحاد عربي موحد تقوده احدى الدول العربية بالأجماع, فالقتال مع اسرائيل يحتاج الى اتحاد عربي موحّد, والتفاوض مع اسرائيل يحتاج الى اتحاد عربي موحّد, وترك الارض الفلسطينية تحت الاحتلال الاسرائيلي الى ان يرث الله الارض ومن عليها يحتاج الى اتحاد عربي موحّد ايضا, ..للأسف الشديد هذا الاتحاد غير موجود حتى الان, والدليل على ذلك التباينات والاختلافات في الآراء بين الدول العربية حول ملف فلسطين ما زال قائم, ومن هذا المنطلق فان القرار الجمعي لدى الدول العربية في القتال مع الاسرائيليين لتحرير ارض فلسطين غير وارد حتى اللحظة, والقرار الجمعي لدى الدول العربية في التفاوض مع الاسرائيليين لتحرير ارض فلسطين غير وارد حتى اللحظة, ثم ان القرار الجمعي لدى الدول العربية في ترك ارض فلسطين تحت الاحتلال الاسرائيلي الى ان يرث الله الارض ومن عليها غير وارد حتى اللحظة.
اذا كان الـ(22) دولة عربية ليس لديها قرار جمعي في التعامل مع ملف فلسطين حتى اللحظة, فهل نتوقع يا سادة يا كرام من الـ(57) دولة اسلامية منضوية تحت سقف منظمة التعاون الإسلامي، ان يكون لها قرار جمعي في التعامل مع ملف فلسطين في الوقت الراهن؟ الجواب في ظل تعدد الفرق الاسلامية, وتعدد المذاهب الاسلامية, وانتشار مدارس الفتن ومدارس البدع الاسلامية, فانه من الصعوبة بمكان تحقيق فكرة القرار الجمعي الاسلامي تجاه ملف فلسطين في الوقت الراهن.
بكل صراحة تحرير ارض فلسطين يجب ان يبدأ بتحرير الإنسان العربي اولا من حالات الفتن والبدع, ثم بتحرير الانسان المسلم ثانيا من حالات تعدد الفرق وحالات تعدد المذاهب, فالأرض المحتلة لا يحررها زرع بذور الفتن والبدع ولا تبعثر الصفوف ولا حتى تشتت المشارب, انما يحررها نزع بذور الفتن والبدع وتوحيد الصفوف وتوحيد المشارب, كي نمتلك القوة، وكي نمتلك وحدة الإرادة والمسؤولية وكي نمتلك القدرة على المبادرة وأدوات الإبداع, ..نعم لا يمكن للعربي او للمسلم ان يحرر ارض فلسطين وهو يعيش حالات من الفتن والبدع, او حالات من تعدد الفرق, وحالات من تعدد المذاهب المتنامية.
زرع بذور الفتن والبدع في الدول العربية, وتعدد الفرق والمذاهب في الدول الاسلامية, لا يخدم ملف فلسطين على الاطلاق.., وكل ذلك هو النقيض الفعلي لمشروع تحرير ارض فلسطين, والحال هكذا, فان العالم العربي والعالم الاسلامي وكل حقبة قصيرة من الزمن سيكون امام (خرائط جديدة) على ارض فلسطين, حتى نصل في نهاية المطاف الى خارطة الصفر..
ولنقف لحظة وبعقل واسع متأملين, فعندما سقطت غرناطة كآخر معقل للإسلام بالأندلس, وقف آخر ملوك غرناطة أبو عبد الله الصغير بسفح جبل الريحان حيث سلّم مفاتيح المدينة لملك اراغون فرديناند وملكة قشتالة إيزابيلا, عندها بكي (الزفرة الأخيرة) أبو عبد الله الصغير على ملكه الضائع, فقالت له أمه عائشة الحرة المقولة الشهيرة:(ابكي كالنساء على ملك لم تحافظ عليه كالرجال).., وما اليوم ببعيد عن الامس.