20-02-2020 11:10 AM
بقلم : بسام الكساسبة
أعلن رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز في مؤتمر صحفي عقده يوم الأربعاء الموافق 12/2/2020 عن إطلاق 68 مشروع استثماري وأقتبس منه حرفياً: (أنا سعيد جداً في تواجدي اليوم في هيئة الاستثمار، للإعلان عن ثمرة جهود حثيثة أفرزت ما سنراه معاً اليوم من مشاريع استثمارية حقيقية متاحة للقطاع الخاص، هذا القطاع قطاع الاستثمار مهم جداً لأنه هو الذي سيولد فرص عمل، وحرصنا أن تكون هذه الاستثمارات موزعة في كافة المحافظات، وهذه الأهمية الكبرى لأنها ستولد التنمية المحلية على مستوى المحافظة، ...وأن نولي موضوع الاستثمار وخصوصاً في المحافظات الأهمية الكبرى للنهوض بواقعها التنموي والوضع المعيشي خصوصاً لفئة الشباب في المحافظات، اليوم نطلق 68 مشروع استثماري بقيمة كلية 4.5 مليار دولار في جميع مناطق المملكة).
لقد نجح الرئيس بتجميل صورة حكومته في المجال الاقتصادي وخصوصاً الاستثماري منه بإعلانه عن هذا العدد الكبير من المشاريع الاستثمارية البالغة 68 مشروعاً وبقيمة 4.5 مليار دولار، وبذلك دغدغ الرئيس أماني المواطنين بتطوير التنمية الاقتصادية لهم في المحافظات، وتحسين مستوى معيشتهم، وتوفير فرص العمل للشباب ، لكن ما حقيقة هذه المشاريع الاستثمارية خصوصاً وأن الرئيس وصف هذه المشاريع في مؤتمره الصحفي بالمشاريع الحقيقية؟ وما المنافع الفعلية التي ستحققها للتنمية الوطنية وللمحافظات وللشباب؟
في واقع الحال أن المشاريع التي أعلن عنها الرئيس لم تكن مشاريع استثمارية حقيقية، بل مجرد عملية ترويج لمشاريع استثمارية، وهذا الترويج من صلب مهام هيئة الاستثمار الأردنية حالياً (مؤسسة تشجيع الاستثمار سابقاً)، وقد درجت الهيئة على الترويج للاستثمار ولمشاريع استثمارية معينة وبهذا الإسلوب منذ أوائل تسعينات القرن الماضي وإلى يومنا هذا، لأن هذا الترويج من صُلب مهامها، وقد روجت الهيئة للاستثمار بهذا الإسلوب داخل الاردن وخارجه سواء لمستثمرين محليين أو خارجيين، ولم تُصَنَف المشاريع المُرَوج لها على أنها مشاريع استثمارية حقيقية إلا بقدر ما كان يتقدم المستثمرون فعلياً للاستثمار في أي منها وتدخل حيز المباشرة بتنفيذها، وبغير ذلك تبقى المشاريع المُرَوَج لها عبارة عن مجرد أحلام وأوهام وحبر على ورق لا قيمة ولا وجود لها على أرض الواقع.
لذلك من الخطأ الفاحش أن يخلط الرئيس بين مفهوم الترويج لمشاريع استثمارية مقترحة كما جاء في مؤتمره الصحفي ويسوقها كمشاريع فعلية حقيقية، لأن المشروع الاستثماري الحقيقي من الناحية الاقتصادية هو الذي تقدم مشتثمر للاستثمار به، وحصل على الترخيص اللازم، وباشر بالخطوات العملية لتأسيسه وتنفيذه على أرض الواقع، أو على أقل تقدير أوشك المستثمر على المباشرة بتأسيسه، في حين أن الترويج لمشاريع استثمارية لا تتجاوز كونها محاولة لتسويق مشاريع هي مجرد حبرعلى ورق تتمنى الحكومة (هيئة الأستثمار الأردنية) على المستثمرين المحليين والخارجيين الاستثمار بها، أما ما أعلن عنه الرئيس من داخل هيئة الاستثمار الأردنية فلا يتجاوز حدود الترويج للاستثمار، أي أنه قام بما يجب ان تقوم به الهيئة ضمن عملها اليومي الروتيني المعتاد، ولم تفض محاولاتها في كثير من الأحيان عن نتائج استثمارية مرضية ومقبولة.
ومن غير المقبول أن يتعامل الرئيس مع المواطنين باستخدام منهجية التخدير والتخفيف من توجسهم من صعوبة الظروف الاقتصادية التي يعيشونها بالإعلان لهم عن 68 مشروع استثماري بقيمة 4.5 مليار دلار، وكأنها مشاريع استثمارية حقيقية، فكان حرياً بالرئيس الإعلان عن المشاريع الاستثمارية التي أقدم المستثمرون فعلياً على الاستثمار بها خلال السنة الماضية 2019 والمشاريع الاستثمارية الجديدة التي ستدخل حيز التنفيذ العملي خلال العام 2020 ، حتى لو كانت هذه المشاريع بأعداد قليلة وبرؤوس أموال متواضعة، فمثل هذا الإجراء على تواضعه هو أفضل بكثير من الإعلان عن إطلاق 68 مشروعاً وهمياً تحلق جميعها في الفضاء بعيداً عن أرض الواقع.
لقد عملت حكومات أردنية سابقة خلال العقدين الأخيرين على نشر مؤشرات نمو غير واقعية عن اقتصادنا الوطني (كإعلانها عن مؤشرات نمو وهمية للناتج المحلي الإجمالي الأردني)، وبعضها عملت على تضخيم إنجازات رديئة ومتواضعة واظهرتها بأفضل مما هي عليه، وفي ذات الوقت كانت تخفي إنجازاتها السلبية، فقد جاءت الحكومة الحالية بنهج جديد في مجال تجميل وتزيين صورتها أمام الملك وأمام الرأي العام بالإعلان عن مشاريع استثمارية وهمية لا تتجاوز كونها مجرد حبر على ورق ، ولا يتوفر لدى الأردنيين رؤوس اموال بقيمة 4.5 مليار دولار للاستثمار فيها ، كما أن المستثمرين الخارجيين غير متشجعين للاستثمار في الأردن لأن بيئة الاستثمار الأردنية أصبحت خلال العقدين الأخيرين من الزمن بيئة معيقة وطاردة للاستثمار سواء المحلي منه أو الخارجي.