24-02-2020 10:24 AM
بقلم : أ.د عبد الناصر هياجنة
تمثل دولة قطر حالةً فريدةً في الوطن العربي بل والعالم في مجال بناء وإدارة الدول، فعلى الرغم من محدودية الجغرافيا والديموغرافيا القطرية لكن قطر خطت بقوة خطوات هائلة للأمام نحو تحقيق أعلى معدلات التنمية والرفاه في العالم، كما حققت مراكز متقدمة للغاية في مجالات إتاحة وجودة التعليم العام والعالي، والرعاية الصحية، والنقل ومجمل الخدمات العامة إلى جانب نشر وتعزيز ثقافة احترام القانون.
ولا يُنكرُ دور الثروة التي تتمتع بها دولة قطر في المساهمة في النهضة الشاملة التي تشهدها الدولة، لكن الثروة ليست وحدها مَنْ ساهم في هذه النهضة؛ فالثروات متاحةٌ لدى الكثير من الدول التي فشلت أو لم تحقق بعد مفهوم النهضة الشاملة. ويمكن القول بأن الإرادة التي تتمتع بها القيادة السياسية في الدولة ومصداقية وتكامل أداء سلطات الدولة ووعي المواطن والمقيم لبرامج الدولة والثقة فيها ساهم بدرجاتٍ معتبرةٍ وحاسمةٍ فيما شهدته وتشهده دولة قطر من تقدم على كافة الأصعدة.
من الواضح أن دولة قطر سعت حثيثاً وبذلت جهوداً جبّارةً منذ سنوات لبناء ترسانةٍ متنوعةٍ ومتكاملةٍ للقوة الناعمة شملت التعليم، والدبلوماسية الفاعلة، وبناء شبكة تحالفاتٍ استراتيجيةٍ مع القوى الفاعلة في المنطقة والعالم، فضلاً عن ممارسة خيارات وبدائل اقتصادية راشدة، إلى جانب النهوض بالإعلام والرياضة، والمبادرات الإيجابية في مجالاتٍ كثيرة، والعمل التنموي والانساني المؤسسي، وتعزيز الهوية الوطنية من خلال المحافظة على التراث الوطني.
لقد أثمرت هذه الجهود، حتى غدت دولة قطر إنموذجاً ناجحاً يُثير الإعجاب ويستحق الدراسة والمحاكاة في بناء منظومة القوى الناعمة وتكاملها للانتقال بالدولة والمجتمع إلى مصافِ الدول المتقدمة مع المحافظة على سماتِ المجتمع وموروثه ضمن المعدلات الآمنة لحماية الهوية الوطنية.
معاينة ودراسة التجربة القطرية في بناء وإدارة الدولة تضع النقاط على الحروف في هذا المجال الذي أخفقت فيه كثير من الدول، ونجحت فيه بدرجات متفاوتة بعضها فقط. فهذا المنجز القطري يستحق التنويه والاحتفال والمساندة؛ لأن نجاح أي دولة عربية هو نجاح لكل العرب وهو رصيدٌ مستدامٌ يُضاف للأرصدة العربية، الآخذة بالتراجعِ المؤسفِ في هذا الزمن الصعب.
دولة قطر ماضيةٌ في سعيها للمعالي التي تُسعد أشقاءها وتكيد مُعاديها، وهي تقدم في ذلك دروساً للراغبين في العمل والتقدم؛ وأول درسٍ فيها أن بناء الأوطان يبدأ برعاية الانسان وبنائه، ماضيه وحاضره ومستقبله.