24-02-2020 11:43 AM
بقلم : المحامي علاء مصلح الكايد
تابعنا جميعاً مجريات الجلسة النيابيّة العاصفة التي ناقشت مسألة القانون المعدّل لقانون إقليم البتراء وما دار فيها من إشاعاتٍ وإشاراتٍ لم تستند إلى أيّ سندٍ صحيحٍ بما نصبت من فزّاعة التملّك الإسرائيليّ المستهدف للمدينة ، وقبل الخوض في محاور المسألة الثلاث أذكّر بالـ " لامركزية " وما شابها من لغطٍ وتخويفٍ وتشكيكٍ عبر فكرةٍ تقوم على ثلاثة أقاليم رابعها غربيّ النّهر ، الأمر الذي أدّى إلى تجميد الفكرة عقداً من الزمان ، وعلينا أن نتفادى تفويت الفرصة وتكرار الخطأ ذاته في البتراء الآن .
ووفقاً للجلسة النيابية وتداعياتها ، وفي البعد الإجتماعيّ للمسألة ، يظهر وكأن هناك فريق حريص على الوطن ومقدراته وفريق متآمر يسعى لإهدائها إلى الغير على طبق من ذهب - وهو هنا الحكومة وكل من يمتلك أرضاً في الإقليم محلّ القانون - وهذا أسوأ ما في الأمر ، فالإختلاف في مسألة سياسيّة يفضي إلى إحتكاكٍ وربّما إشتباكٍ وكسر العظم كذلك - كطرح الثقة - لكن لا يمكن وأن يعدّ مقبولاً أن يشار إلى أبناء وطن كخونةٍ يتنازلون عن شبر من أراضيه ، ولا يصلح أيّ مثالٍ حمل إجتهاداً لم يكن مصيباً كمقياسٍ فهذه مسألة عقيدة تجمعنا ، وقد تكون هذه الحالة تجاوزت في خطورتها إغتيال الشخصية إلى محاولة إغتيال سلطة كاملة وكذلك أبناء وبنات محافظة إنطلقت منها رصاصة الثورة العربية الكبرى لا يزاود على وطنيتهم وولائهم .
وفي الشقّ السياسيّ ، لا يجب وأن يغيب عن ذهن السّياسيّ أن خصومه يحسبون عليه الأنفاس والحركات والسّكنات ، ولا يؤثر على الدولة صدور فعل كهذا عن حزب أو فئة لكن صدور الإتهام عن سلطة دستورية له أثر بالغ الخطورة من حيث الصورة والأثر ، فتوجيه الإتهام المبطّن بالعمالة وتطويع البيئة لخدمة مصالح عدو هو أكثر ما يخدمه ويفتح له من الأبواب ، وعلى حديثنا عبر منبر عام أن يختلف عنه في الغرف المغلقة فهناك ماكينة مقابلة ترصد وتقيّم ما يجري وتبني عليه ، وتلك سقطة سياسية تشير إلى ضعف في الأفق وسطحية في المواقف ، وأبعد ما تكون عن السياسة وقواعدها مع كامل الإحترام .
وفي البعد الأخير للمسألة وهو الدستوري ، شاب العيب قانون الإقليم وقد حان الوقت لرفع القيود التي أرساها بصورته الحالية النافذة ، فالحقوق العامة كالتملك والتنقل والتصرفات القانونية بالبيع والشراء والإستثمار قد شرعت للأردنيين بالتساوي في الفصل الدستوري الثاني بلا تمييز أو تفضيل ، وليس من المنطق أن تقيّد تلك الحقوق أو أن تُحجَب عن فئة كاملة المواطنة والأهلية ، وقد حان الوقت لإصلاح ما كان وإحياء ما سيكون ، وبمقدور القانوني الناجح أن يتحوط عبر النصوص لما يخشى تسلله بين ثناياها .
الغريب في كل ما سبق ذكره أن الشكّ بات هو الأصل ولم يبقى لليقين من مكان ، فمن إستعاد أرضه الشمالية بشرعية قانونية وشدّد على لاءاته الثلاث ويترجمها يوميّاً على أرض الواقع ليس بمتنازل عن شبر من أرضه للغير ، وإننا على يقين بأن الأردنّ بأكمله هدف لإسرائيل ليست البتراء فحسب ، وتلك معركة نديرها بإقتدار وإحتراف وثبات وعلى أعلى المستويات عبر حسابات دقيقة ومن مطبخ مركزيٍّ مؤسَّسيّ ، وهناك فارق شاسع بين الإقرار بوجود الأطماع والإستسلام لها .
لنعارض الحكومات في سياساتها ، ولنقوّم عملها ما أمكن ، دون إفتراض أن من يتولى المسؤوليّة قد تخلّى عن أردنيّته ووطنيته وكرامته ، فذاك أمر لم نعهده في أبناء وطننا وبناته ، وهو باب فتنة ومدخل تفتيت لعصب الدولة ووحدة موقفها وصلابة عقيدتها .
هذه نقطة نظام للتذكير بأصول العمل السياسي وقواعد الإشتباك الإيجابيّة الجامعة لا المفرّقة .
والله من وراء القصد