23-02-2008 04:00 PM
لنفرق بين المسيحية والعلمانية عمر شاهين قبل أسبوع كنت أستمع لأحد الخطباء وهو يقدم خلطاً بين المصطلحات وعدم فهم للكثير من المسائل الثقافية التي لم تعد مجهولة في زمن انتشار الانترنت وسهولة البحث عن تعريف مصطلح أو أصل كلمة، فلطالما سبب مثل هؤلاء فتن ليس على أصحاب الأديان الأخرى بل على أصحاب المذاهب الإسلامية المختلفة عندما يعتلي شيخ منبراً ولا ينتبه أنه يخاطب عواما من الناس ويغسل أدمغتهم بخلط كبير يؤدي إلى أعمال عنف وقلاقل ، والإسلام لم يعترف يوما بخطاب الغوغائية حتى عندما نهاجم فديننا الذي بدأ بآية "اقرأ " اعتمد طوال سور القرآن على الحوار العقلاني وتدبر الأمور واحترام الآخر . الخطيب الذي بدأ ناقماً على عيد الحب و الرسومات الدنمركية ،لم يكن يفرق بين الغرب العلماني والمسيحية الدين الرباني ،لا يفرق بين الديمقراطية وبين الكنيسة ولا بين جورج بوش وديك شيني والمحافظين الجدد وأفكار الانجيليكين الجدد وبين البابا بندكتس والبابا شنودة وما بين اليهودية المسيحية والامتداد اللوثري وبين الكنيسة الارثذوكسية والكاثوليكية ،فراح يفسر بدعة عيد الحب وتأثيره على شبابنا الذي لا أظن أنهم يغرقون في العلم و النسك خارج هذا اليوم . توصل الشيخ دون مقدمات علمية إلى أن عيد الحب نوعا من التبشير ،ولعل النتيجة خرجت منه لأن اسم القديس "سان فالنتين" مربوط بهذا اليوم، أما الرسوم الدنمركية فإنها أسلوب مسيحي لمحاربة الإسلام وانتقل من هذان الآمران إلى درس لاهواتي شارحا آيات من سورة عمران، وطوال الخطبة أفكر بمئات المرات التي خاطبنا فيها شيوخنا الأحباء بالكف عن التهجم على أصحاب الأديان لأنهم شركاء معنا في الوطن ولهم الحرية في اعتناق ما يشاءون ، إن الدعوة في الخطبة على أي صاحب دين ليست من قيم الإسلام ولعل الشيخ لم يقرأ الآية التي تقول " ( لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ {82} وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ) المائدة / 82 ولست هنا في صدد الاستشهاد بدور النجاشي المسيحي وما قدمه المسيحيون العرب ووقفتهم مع صلاح الدين ومشاركتهم في التاريخ العربي ، وقتالهم ودفاعهم عن هذه الأرض وتعرضهم للذبح في القدس وجنوب الأردن ومدن فلسطين ونواحي الشام مثل أي مسلم .،ولا يتحمل مسيحيو الشرق أفعال الغرب من الحضارة البيزنطية إلى حروب المحافظين الجدد ، ولما لا نقيس ونشهد بمواقف التنويريين المسيحيين ضد الغرب وآخرها طرد عزمي بشارة من فلسطين وملاحقته قضائيا وكذلك الموقف الداعم لميشيل عون وسليمان فرنجية من مقاومة إسلامية لبنانية ،ونحن عشنا وقرأنا تاريخا طويلاً تثبت أن المسيحي يشارك المسلم دوما بنشر القيم السمائية القبطي سيما أننا ومسيحي الشرق أصحاب مبعث الأديان وسكان مهد أنبيائها . الكنيسة والمسيحية تعاني مثل الإسلام من تطرف علماني يرفض شراكة الدين كما في حالة الدنمرك وهولندا بل و جعل التقرب إلى الله بأي دين جريمة تحاسب عليها الماركسية والعلمانية اللتان طغتا على الغرب . واجب على أي مسلم أن ينزعج ويثور لهذه الحملة غير مبررة والمكررة باستقصاد التعرض للرسول صلى الله وعليه وسلم ، ولكن هذا لا يعني أن نخلط الأمور ، فنحمل مسؤولية كاتب أو رسام ملحد لا يؤمن بقداسة الأنبياء للذين ليس لهم أي علاقة بهذه الفعلة الشنيعة . فأقل الناس ثقافة يدرك أن المجتمع الأوربي علماني المنهج والتفكير ، وليس مسيحيي -أي ديني- وكل هذا التصرفات لا تأتي من عقيدة دينية إنما نمط علماني التفكير لا يهاجم فقط الدين الإسلامي بل حتى الدين المسيحي الذي ما يزال يتعرض للرفض من العقلية العلمانية التي لا تحسب أي حساب للمقدسات، فرواية "شيفرة دافنشي" ذائعة الصيت لمؤلفها "دان براون" والتي حولت لفيلم سينمائي فيما بعد كانت تشكك في شخصية المسيح عليه السلام ، وهذه الحالة ما ينطبق على عقلية الصحف الغربية بما فيها الدنمركية التي تعتبر أن التعرض لنبي عظيم حق طبيعي لهم لأنهم علمانيون غير ملتزمين بحرمة أديان لا يقرون بها بل يعتبرونها ضرراً عليهم. إن محاربة بعض العادات مثل عيد الحب يأتي بتوعية الشباب والناس بالارتقاء عن التقليد الأعمى ،وصناعة هوية وقيم أخلاقية تغرس فيهم ،وهذا لا يأتي بشتم الغرب وإلصاق المسيحية بهذه التهمة . وكذلك آن الأوان أن نتحلى ولو بقليل من الفهم بماهية الغرب وانتقاله من المسيحية إلى عشرات الايديولجيات والأفكار التي طغت وتنقلت في العقل الغربي ،ففي الغرب هناك الأقليات الدينية وسواد العلمانية واليسارية بفروعها والوجودية والتفكيكية ومئات المعتقدات والأفكار التي غلبت على العقلية الغربية. يجب أن نتعامل مع الأمور بعقلانية وتوعية تفوق قدرتنا الضئيلة في فهم الغرب أولا ، والوصول له للتعريف بنا وبرموزنا ، ومن المهم أيضا أن نرتقي في الخطاب الموجه إلى التجمع الوحيد للمسلين في خير الأيام والأوقات فصلاة الجمعة للتواصل المعرفي وليست للدعوة على من يعيش بيننا ويشاركنا العيش والعمل والحال ، سيما أننا نحن نستنكر دوما أن يجر العالم الإسلامي ومعتنقيه إلى تهم ارتكبتها فئة قليلة من المتعصبين ، في حالات كثيرة تعامل البعض بغوغائية بربرية مثلما قتلت راهبة في السودان تخدم الفقراء ،واعتدي على كنيسة في فلسطين بعد تأويل البابا وشرحه لنص تاريخي ، وكذلك بعض التصرفات المسيئة رداً على إساءات الصحف الدنمركية الأولى ،فنحن ما نزال نعاني من اتهام الغرب لنا ولكل المسلمين بالتطرف انسجاما مع موقف البعض وندعوهم ليفرقوا بين شذوذ التعصب وسعة الدين الإسلامي ،فكيف نتصرف مثلهم ونحاسب المسيحية على تصرف رسام علماني أو شكل عولمي تجاري مثل عيد الحب
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
23-02-2008 04:00 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |