04-03-2020 02:12 PM
بقلم : بسام الكساسبة
شركة الكهرباء الوطنية، هي شركة مملوكة للحكومة بنسبة 100%، من غاياتها شراء الكهرباء المولدة من شركات التوليد، وبيعها إلى شركات التوزيع وكبار المستهلكين، واستيراد الكهرباء وتصديرها من وإلى دول الجوار، وشراء الغاز الطبيعي الخاص باحتياجات محطات توليد الكهرباء وبيعه إلى شركات توليد الكهرباء.
على أرض الواقع لا تحصل شركة الكهرباء الوطنية على الكهرباء من شركات التوليد بالشراء، بل بطريقة المصانعة أو إستجار خدمات توليد الكهرباء ، وفي هذه الحالة تعتبر شركة الكهرباء الوطنية الجهة المستأجرة لخدمات توليد الكهرباء، أما الجهات المؤجرة لخدمات توليد الكهرباء فهي شركات توليد الكهرباء ، التي تتحمل جميع مصاريف توليد الكهرباء الإدارية والعمومية واستهلاك واستبعاد الآلات والمكائن والممتلكات والضرائب باستثناء مصاريف أو أثمان الوقود (الغاز والديزل والفيول أويل) المستخدم في توليد الكهرباء، والذي يتم تزويدها به من قبل جهات أخرى، لذلك لا تظهر تكاليف الوقود المستخدم في توليد الكهرباء في القوائم المالية لشركات توليد الكهرباء.
وطالما أن توليد الكهرباء من قبل شركات توليد الكهرباء يتم بطريق المصانعة أو الاستئجار ، فهذا يوجب على شركة الكهرباء الوطنية إظهار هذه المصانعة أو الإستئجار في قوائمها المالية كعملية إستئجار أو مصانعة وليس كعملية شراء كهرباء، نظراً للفارق الكبير بين عملية إستئجار خدمات توليد الكهرباء وعملية شرائها من شركات التوليد ، والفارق بين الإسلوبين هو تكاليف الوقود المستخدمة في عملية التوليد، هذا الفارق الذي تصل قيمته على سبيل المثال بين شركة الكهرباء الوطنية كمستأجِرة لخدمات توليد الكهرباء، وبين شركة السمرا لتوليد الكهرباء كمؤجرة لهذه الخدمات إلى 461 مليون دينار.
ولتوضيح هذا الخلل المالي الكبير بالأرقام، فقد حصلت شركة الكهرباء الوطنية بنظام المصانعة أو التأجير، من شركة السمرا لتوليد الكهرباء، في عام 2018 على كهرباء كميتها 7586039 ميغا واط، بمعدل سعر 71.75 فلس/كيلو وات، وبقيمة إجمالية بلغت 545 مليون دينار، ولم يظهر هذا المبلغ في القوائم المالية لشركة الكهرباء الوطنية كبدل إستئجار خدمات توليد كهرباء من شركة السمرا لتوليد الكهرباء، بل ظهر كشراء كهرباء شاملاً لتكاليف الوقود الذي إستخدم في توليد هذه الكمية من الكهرباء، في حين أظهرت شركة السمرا لتوليد الكهرباء في قوائمها المالية الواردة بتقريرها السنوي لنفس العام 2018 هذه الكمية من الكهرباء التي زودت بها شركة الكهرباء الوطنية كعملية "تأجير خدمات توليد كهرباء" وبقيمة 82.2 مليون دينار، وليس 545 مليون دينار كما جاء في التقرير السنوي لشركة الكهرباء الوطنية لعام 2018، أي بفارق بين الشركتين قيمته 461 مليون دينار، وبالتالي لا يُعرف كيف إحتسبت شركة الكهرباء الوطنية هذا المبلغ وما هي مكوناته، ومن المؤكد أن جزءاً من مكونات (المبلغ 461 مليون دينار) يشتمل على ثمن المحروقات التي استخدمتها شركة السمرا لتوليد الكهرباء، والتي زودتها بها جهة ثالثة، حيث من المفترض أن تُظهر شركة الكهرباء الوطنية تفاصيل المبلغ 549 مليون دينار في قوائها المالية بموجب إيضاح مفصل خاص به .
وعلى غرار ما تعاملت به شركة الكهرباء الوطنية، باخفاء قيمة وكميات الوقود التي استخدمتها شركة السمرا لتوليد الكهرباء ، فقد أخفت شركة الكهرباء الوطنية أيضا قيمة وكميات الوقود التي استخدمتها شركات توليد الكهرباء الأخرى، وهي شركة توليد الكهرباء المركزية، محطة توليد شرق عمان، محطة توليد القطرانة، شركة عمان أسيا، محطة شرق عمان LEVANT ، والتي بمجملها زودت شركة الكهرباء الوطنية في عام 2018 بكمية كهرباء بلغت 9596034 ميجا واط ، وبقيمة 860 مليون دينار.
نعم ، هو خلل أداري ومالي وتنظيمي ومحاسبي فاحش جداً، إرتكبته خلال السنوات الماضية ولم تزل ترتكبه شركة الكهرباء الوطنية، والمتمثل بعدم بيان كميات وقيمة وأثمان الوقود الإجمالية المستخدمة في توليد الكهرباء ، وبيان الجهات الموردة له، والجهات الوسيطة التي تتقاضى أرباحاً أو عمولات على عمليات توريد هذا الوقود إن وجدت مثل هذه الجهات، خصوصاً وأن معايير الحوكمة المؤسسية تقتضي الإفصاح عن أكبر الموردين للسلع والخدمات والمبالغ التي تقاضوها، وإظهارها في تقاريرها وقوائمها المالية السنوية بكل وضوح ودقة، وتبرز أهمية الإفصاح في هذا الجانب نظراً لكون المبالغ التي تفتقر للوضوح والشفافية والافصاح عنها في القوائم المالية لشركة الكهرباء الوطنية، تتعلق بنسبة لا تقل عن 80% من المبلغ الذي أعلنت عنه الشركة مقابل حصولها على الكهرباء من شركات توليد الكهرباء باستخدام الوقود والبالغ 1314 مليون دينار، أي ما يقارب 1051 مليون دينار، ففي الوقت الذي تفصح شركة الكهرباء الوطنية عن أدق تفاصيل نفقاتها الإدارية والعمومية البالغة 34 مليون دينار وتذكرها في إيضاح خاص بها بالتفصيل، والتي لا تشكل إلا نسبة ضئيلة جداً من مجمل مصاريفها التشغيلية، فإن شركة الكهرباء الوطنية تتعامل مع مبلغ 1051 مليون دينار (الذي يُعد أهم وأكبر مصاريفها التشغيلية) بمنتهى الضبابية والغموض، وكأن الشركة تتستر على أخطاء مالية فظيعة جداً، مما يثير الريبة والشكوك القوية حول أداء الشركة المالي والإداري والفني.
هذه الأخطاء الكبيرة، المالية والإدارية والتنظيمية، التي ترتكبها شركة الكهرباء الوطنية، تتحمل مسؤوليتها إلى جانب الشركة، جهات رسمية عديدة منها: وزارة الطاقة والثروة المعدنية، وهيئة تنظيم قطاع الطاقة والمعادن، وزارة المالية، مراقبة الشركات، ديوان المحاسبة، وهيئة مكافحة الفساد، هذه الجهات التي بشكل أو بآخر تعتبر مقصرة أشد التقصير بمراقبة أداء هذه الشركة الحكومية، التي تتعامل سنوياً بمليارات الدنانير من الأموال العامة، والتي تفوق بقيمتها موازنة عدد كبير جداً من الوزارات والدوائر والهيئات الحكومية مجتمعة، مما يقتضي فرض إجراءات رقابية صارمة ومشددة على هذه الشركة.