07-03-2020 09:39 AM
بقلم : أ.د رشيد عبّاس
بادئ ذي بدء, على جميع دول المنطقة ان تضع الخلافات السياسية فيما بينها جانبا, وان تتمسك اليوم قبل الغد في الجانب الانساني في ضوء انتشار فيروس كورونا ومكافحته, فهذا الفيروس فيروس (كورونا) لا يعرف الحدود الطبيعية ولا يعرف الحدود السياسية بين الدول, نعم هذا الفيروس لا يعرف الحدود الدينية ولا يعرف الحدود المذهبية ولا يعرف الحدود العرقية ولا يعرف الحدود القومية بين الشعوب والأمم,..هذا الفيروس فيروس كورونا يعرف فقط كيف ينتقل من انسان الى انسان آخر في هذا العالم دون تمييز, فهو يحمل جواز سفر مختوم على جميع صفحاته كافة الاقطار والدول, ويسير بين الدول بشكل التّرانزيت.
بحكم موقع المملكة العربية السعودية الديني, وبحكم موسم كل من الحج والعمرة من كل عام, وبحكم العمالة القادمة لا يستطيع احد ان ينكر ان للمملكة العربية السعودية خبرة جيدة في مكافحة انتشار الأوبئة والامراض والفيروسات بكافة انواعها من خلال تعاملها سنويا مع ملايين الحجيج والمعتمرين والعمالة القادمة من كل دول العالم اليها, وهنا ليس المطلوب من المملكة العربية السعودية اكتشاف علاج لفيروس (كورونا) فقد يكون هذا الامر اكبر من خبراتها وقدراتها الطبية, لكن يمكن الاستفادة من خبرة المملكة العربية السعودية في دعم ومكافحة هذا الفيروس والحد من انتشاره داخل السعودية وخارجها من دول المنطقة, وربما العالم بأسره.
المملكة العربية السعودية اكثر دولة في العالم تعاملت وتتعامل مع اكثر من ثلاثة ملايين قادم الى اراضيها وعائد من اراضيها في موسم الحج من كل عام وتقوم بنفس الوقت بحمايتهم من الفيروسات والاوبئة والامراض السارية وتقوم بتأمين الرعاية الصحية الكاملة لهم, ناهيك عن اكثر من ثلاثة ملايين من الاضاحي التي تُذبح على اراضيها والتي قد تشكل مزيد من الاوبئة والامراض لولا خبرتهم في التعامل مع الاوبئة التي قد تنتج عنها, يضاف الى ذلك اعداد الوافدين لأداء العمرة من كل انحاء العالم والتي تكون على مدار الساعة, والعمالة القادمة والمغادرة من كل انحاء العالم ايضا الى اراضيها طوال العام.
العالم اليوم امام عدو مشترك يتمثل بفيروس(كورونا), وهذا العدو يحتاج الى امكانات فنية ومادية باهظة التكاليف, والى خبرات عملية جيدة لمكافحة هذا الفيروس والقضاء عليه, وبكل صراحة المملكة العربية السعودية مرشحة ان تكون هي الرائدة في هذا الاتجاه كجانب انساني تاركة الجوانب السياسية الى ما بعد خطر فيروس كورونا الذي قد يهدد البشرية كافة, فكثير من التحديات البشرية تحتاج الى وقفة انسانية من بعض الدول القادرة على ذلك امثال السعودية, فقد سبق ان واجه العالم بأسره عدو مشترك وربما ما زال قائما وهو فيروس (الارهاب) الذي هدد امن وامان كثير من البشر, ومن المتوقع ان يواجه العالم الديني في دياناته السماوية الثلاثة في قادم الايام فيروس (البدع), تلك البدع الدينية التي بدأت تسيطر على مفاصل الديانات السماوية الثلاثة, وتستبدل نصوصها السماوية - قاتلهم الله- بنصوص وضعية ما انزل الله بها من سلطان كي تخدم مصالح آنية ودنيوية لبعض التيارات ولبعض الجهات ولبعض الفئات في هذا العالم.
العالم اليوم بمثابة الاسرة الانسانية الواحدة في ضوء فيروس كورونا, وعلى شعوب العالم ان تفصل بين الجوانب السياسية ومشاكلها من جهة, وبين والجوانب الانسانية وأوبئتها وامراضها من جهة اخرى, فالعالم اليوم في ضوء فيروس كورونا جسد واحد, فإِذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهَرِ والحُمِّى, واذا ما اصاب فيروس كورونا احد المواطنين في شرق الكرة الارضية ينبغي ان تتداعى له سائر الدول والبلاد في غرب الكرة الارضية بالسهَرِ والحُمِّى, واذا ما اصاب فيروس كورونا احد المواطنين في جنوب الكرة الارضية ينبغي ان تتداعى له سائر الدول والبلاد في شمال الكرة الارضية بالسهَرِ والحُمِّى, كيف لا والعالم اصبح اليوم شقة صغيرة تتألف من غرفه ومطبخ وحمام وصاله وبلكونه تطل على العالم..
وبنظرة بسيطة حول العالم نجد ان العالم اليوم متوقف او شبه متوقف, فالقمم والاجتماعات واللقاءات والرياضات متوقفة او تكاد, وحركة الاقتصاد العالمي اليوم شبه متوقفة او تكاد, والسياحة الدينية والترفيهية في العالم شبه متوقفة او تكاد, وعجلة الانتاج في العالم شبه متوقفة او تكاد, وشعائر العبادات في العالم شبه متوقفة او تكاد,..انه فيروس لعين اوقف كل شيء في هذا العالم, حتى قلوب البشر وانفاس الناس قد توقفت او تكاد ان تتوقف.
وهنا ندعو الله عز وجل بالدعاء والعمل الجاد, لان الدعاء وحده دون عمل جاد هو بمثابة ابر تخدير طويلة الامد للشعوب والامم, ندعوه عز وجل ان يجنّب الانسان والإنسانية والبشر والبشرية من هذا الفيروس الخطير والفتّاك, وندعو الله عز وجل ان يمكننا من ترك الخلافات السياسية جانبا وان نتمسك بالجوانب الانسانية لمكافحة فيروس(كورونا) وغيره من الفيروسات, كفيروسات(الارهاب) وفيروسات (البدع), فلا قدر الله لو وصل فيروس كورونا الى قارة افريقيا مثلا, فإنني اعتقد جازما انه ليس بمقدور احد ان يتنبأ كم سيحصد هذا الفيروس من هذه القارة الفقيرة في الموارد والضعيفة في المناعة وبالذات المناعة لدى الاطفال, فالمناعة لدى الاطفال هناك تقترب من الصفر, وسيعود علينا هذا الفيروس من هناك عاجلا ام آجلا بلغة اقوى واشرس مما كان عليه, وربما بأسماء جديد.
نعم, للمملكة العربية السعودية خبرة طويلة في مكافحة الأوبئة, ويمكن لدول العالم الاستفادة من خبراتها في مكافحة فيروس كورونا ودعم ذلك فنيا وماديا, وهنا اعتقد جازما ان الجانب الانساني لدى المملكة العربية السعودية اقوى من الجانب السياسي في حالة الازمات والكوارث والمحن والأوبئة.., اليس كذلك؟
قال تعالى: (يا أيّها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة)..سورة النساء.