بقلم : أ.د عبد الناصر هياجنة

فرضت الأزمة الراهنة والتدابير المتخذة لمواجهتها تحدياً حقيقياً؛ بالانتقال إلى التعليم عن بُعد كاستحقاقٍ مستقبلي حان وقته، ولكن الانتقال إليه لم يكن - كما هو واضحٌ - نتيجة قرارٍ وترتيباتٍ في ظروف اعتيادية مبرمجة، بل كان تحت وطأة الظرف الاستثنائي الراهن وتداعياته على مختلف مظاهر حياة الأفراد وطريقة عمل المؤسسات التعليمية والخدمية وغيرها.
وينبغي التعاطي مع هذه المعطيات بشيءٍ من الاهتمام لبناء فهمٍ متكاملٍ لفكرة التعليم عن بُعد وأهدافه، وصولاً إلى فهمٍ متكاملٍ آخر لفكرة وأهداف التقييم في التعليم عن بُعد. فمن غير المعقول أن يكون التعليم عن بُعد والتقييم تقليدياً وإن كان معقولاً - من وجهة نظري على الأقل- أن يحدث العكس بأن يكون التعليم تقليدياً والتقييم غير تقليدي.
وفي تقديري، فإن التعليم عن بُعد هو عبارة عن منظومة من الأدوات والوسائل والمهارات والطرق الخاصة بالتعليم والتقييم. ولا يصح النظرُ إلى التعليم عن بُعد فقط باعتباره وسائل ومهارات وأدوات فهذه وحدها تمثل الوعاء أو الوسط الذي يتم من خلاله التعليم، ويبقى الجانب الموضوعي الذي يمثل المحتوى المعرفي والمهاري والمضامين والأهداف التي يراد تحقيقها بالتعليم عن بُعد.
ولو كان الانتقال لمرحلة التعليم عن بُعد انتقالاً مبرمجاً وفي ظروفٍ عادية فمن المتوقع أن يكون هناك إرشاداتٌ وقيمٌ ومفاهيم واضحة ومتفق عليها في التعليم والتقييم، أما وقد جاء الانتقال مفاجئاً وفي ظروفٍ وتدابير معقدة وغير اعتيادية على مختلف المستويات؛ فالأمر يحتمل مقاربةً استثنائيةً واجتهاداً استثنائياً يتناسبُ مع واقع الحال على أن تكون نقطة البداية في هذا الاجتهاد هي الاتفاق على أن مضامين وأهداف ومخرجات التعلم أكثر مرونة في نظام التعليم عن بُعد منه في نظام التعليم التقليدي، وأن تكون فكرة التقييم وأهدافه وأدواته أكثر مرونة من مجرد تطبيقٍ لنفس طرق وأدوات التقييم التقليدية. وعلى الرغم من عدم اختصاصي في وسائل القياس والتقويم، لكن الخبرة والتعايش مع الوسط الأكاديمي تجعلني أميلُ إلى أن يكون التقييم في نظام التعليم عن بُعد بمنظورٍ غير تقليدي هو الأخر، منظورٍ يقوم على اعتماد حزمةٍ من الأدوات والوسائل المتعددة والمرنة بحيث تسمح هذه الحزمة من الأدوات والوسائل بتقييمٍ شاملٍ ومرن للأداء والتحصيل المعرفي والمهاري للمتعلم في ضوء أدوات ووسائل ومضامين وأهداف التعليم عن بُعد.