24-03-2020 01:00 PM
سرايا - يزعم المروجون لنظرية المؤامرة أنها تستند إلى تفسير الأحداث على أساس التآمر من قبل أشخاص أو جهات تتمتع بالقوة وذلك لتحقيق أهداف سياسية. ويستخدم مصطلح نظرية المؤامرة للهجوم على كل من يحاول أن يربط الأحداث بقرائن لا ترتقي لكي تكون أدلة. ورغم أن هذا التفكير العقلاني فيه شيء من الصحة، لأن الدليل أساس الحكم على الأمور والقطع بها، إلا أن التوظيف السلبي لمصطلح نظرية المؤامرة ينفي صفة التفكير النقدي للعقل البشري الذي يتوجب عليه أن يثير الأسئلة للوصول إلى الحقائق. وفي الجانب المقابل، هناك الكثير من الأفكار الساذجة وغير الحقيقية التي يتم الترويج لها، سيما على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي لا ترقى لأن تكون تفكيراً نقدياً ولا سعياً للوصول للحقائق.
أما بالنسبة لمهاجمي نظرية المؤامرة، فنذكرهم بأن غزو العراق كان مؤامرة، وأسلحة الدمار الشامل كانت مؤامرة، وغزو أفغانستان كان مؤامرة، ودعم "المجاهدين" ضد الاتحاد السوفيتي كان مؤامرة، ولدينا الكثير من الشواهد على المؤمرات في هذا العالم الذي تتحكم فيه أجهزة المخابرات والشركات العملاقة. تسعى هذه المقالة إلى طرح أسئلة نقدية من شأنها رصد المشاهد الصغيرة في مشهد كلي قد يرتقي لحد الشك في أن ما يحدث على الساحة العالمية، وإن كان يقع ضمن تصنيف الأسباب العلمية، قد تم (أو قد خُطط لأن يتم) توظيفه لخدمة فئة من مصلحتها تغيير النظام العالمي القائم.
خارطة الصراع على النظام العالمي
يدرك المتعمق في السياسة الدولية أن هناك مشروعان متصارعان على قيادة العالم. المشروع الأول هو القائد الفعلي للعالم منذ ثمانينيات القرن المنصرم أو منذ انتهاء الحرب العالمية الأولى، وهو المشروع الأمريكي النيوليبرالي المروج للعولمة والشركات العابرة للقارات، والذي يكون فيه النظام المالي الأمريكي القلب النابض والعقل المدبر والمتحكم بكل مفاصل الاقتصاد العالمي. هذا النظام دخلت فيه الصين على الخط كلاعب رئيس وداعم له ومساهم فيه بما يخدم مصالحها ويسهم في ضخ ملياراتها في أسواق أمريكا المالية. أما المشروع المتحدي للنظام القائم حالياً فهو مشروع اليمين المتطرف الراكب لموجة الشعبوية، ويسعى إلى السيطرة على حكومات الدول الغربية ومن ضمنها أمريكا من خلال دعم الحركات الشعبوية الدينية والأحزاب التي تمثلها. وتقود روسيا هذا المشروع عالمياً، ويعد دونالد ترمب، ونتنياهو، ومودي الهند، وربما ينضم لهم بولسانارو البرازيل، أركاناً أساسيةً في هذا المشروع، وهناك دول عربية، مع الأسف، يتم استخدام ملياراتها لدعم هذا المشروع.
أسعار النفط.. حرب أم تنسيق؟
في ضوء المفهوم التاريخي لعلاقات الدول، يحكم الكثير من الناس بأن ما يحصل بين السعودية وروسيا عبارة عن حرب أسعار من أجل عدم خسارة الحصص السوقية. وقد اطلعت على عديد التحليلات التي تنظر للموضوع على من زاوية ضيقة: أوبك مقابل روسيا. ويعتبر هذا التحليل تحليلاً دقيقاً من الناحية السوقية، إلا أنه يتجاهل حقيقة مفادها أن القرار السياسي هو جوهر الموضوع في الأحداث العالمية الكبرى كأسعار النفط. يفيد التاريخ أن منظمة أوبك أنشئت برعاية أمريكية من أجل ضمان بيع النفط بالدولار الأمريكي، من جهة، وضمان سقف أسعار النفط بما يخدم المصالح الأمريكية، من جهة أخرى. وهذا يعني بالضرورة، أن أوبك وعلى رأسها السعودية، لا تملك قرارها لأن مرجعيتها دائما للعم سام. المعضلة الآن أن أمريكا فيها اثنان من الأعمام السوام: سام النيوليبرالي المعولم المتضرر من خفض أسعار النفط، وسام الشعبوي الذي يهدف للإطاحة بأخيه بالتنسيق مع روسيا. والكل يعلم أن السعودية متحالفة جداً مع سام الشعبوي، لكن كيف سيستفيد سام الشعبوي (ترمب) من خفض أسعار النفط؟
ترامب والاستحقاقات الانتخابية والمستهلك الأمريكي
من أوجه الرؤى التي يعتد بها رؤية الدكتور لقاء مكي على برنامج "ما وراء الخبر" الذي بثته قناة الجزيرة يوم 20 مارس/آذار 2020. وقد رأى الدكتور مكي أن شركات النفط الأمريكية المتضررة من انخفاض أسعار النفط هي من التحالف المناوئ لإعادة انتخاب ترمب، بمعنى أنها من التحالف الأمريكي النيولبرالي. وألمح الدكتور مكي إلى أن التنسيق بين السعودية وروسيا وارد بحكم أن السعودية ستتخذ القرار بالتنسيق مع أمريكا.
وحتى أوضح فكرة الدكتور مكي حول شركات النفط المناوئة لإعادة انتخاب ترمب، أود أن أشير إلى أن شركات النفط الأمريكية تعود ملكيتها إلى شركات إدارة الأصول (24.7 في المائة)، صناديق التقاعد (28.9 في المائة)، ومستثمرين أفراد (18.7 في المائة)، وهؤلاء كلهم ضمن كيان "وول ستريت" الداعم للعولمة والمؤيد بشدة لإسقاط ترمب لصالح جو بايدن على ما يبدو. وأستند هنا في تصنيف تلك الفئات من المستثمرين على أنهم من الداعمين للعوملة إلى نظرية هيمنة الشركات لعالم الاجتماع السياسة الأمريكي دومهوف. ولفت الدكتور مكي أن ترمب سيستفيد من سعر النفط المنخض من خلال ملء خزانات الاحتياطي الأمريكي بنفط رخيص سيتم استخدامه في المستقبل من قبل ترمب من أجل كسب ود الناخب الأمريكي.
المصدر: الجزيرة نت