29-03-2020 01:47 PM
بقلم : بسام الكساسبة
تعتبر الطاقة؛ المشتقات النفطية والكهرباء، عصب حياة الدول والشعوب واقتصاداتها الوطنية، من هنا ينبع إهتمام حكومات دول العالم، وخصوصاً المتطورة منها، بتوفير هذه الطاقة بكميات كافية وبأسعار معقولة في ضوء تكاليفها الاقتصادية الحقيقية (وليست الوهمية)، التي تشمل أثمان النفط الخام في ظل أسعاره العالمية ونقلة وشحنه وتكريره والأرباح المعقولة على حلقاته التسويقية المختلفة، مضافاً إليها ما تتقاضاه من رسوم وضرائب معقولة ، كل ذلك يفترض أن يتم بعيداً عن شطط أية جهة رسمية لفرض رسوم وضرائب عليه خارج حدود المعقول، مع عدم السماح لأية أطراف أخرى أيا كانت بالتربح غير المشروع على أية حلقة من حلقاته التسويقية ، هذا التربح الذي تثبته الفروقات الهائلة بين مستوى أسعار البنزين في الأردن وما يجب أن تكون عليه في ظل الأسعار العالمية والتكاليف الاقتصادية الحقيقية، وكما هو موضح تالياً .
تُسَعَر المشتقات النفطية في الأردن بأسعار مرتفعة جداً، لا تتناسب مع أسعارها في الأسواق العالمية، ولا مع مستوى معيشة المواطنين الأردنيين، فدول أخرى كسنغافورة تستورد النفط مثلما تستورده الأردن وتتحمل نفقات شحنه من الدول المنتجة له إضافة للرسوم التي تدفعها عليه قبل وصوله إلى مصافيهما، كذلك تكاليف تكريره ومناولته وتخزينه في موانئها، ثم تعرضه للتصدير تحميل ظهر الباخرة في موانئها (FOP) بأسعار منخفضة جداً، فمثلاً حسب بيانات منظمة الاقطار المصدرة للنفط (OPEC) بلغ سعر برميل بنزين أوكتان 95 في شهرشباط 2020 تحميل ظهر الباخرة في موانيء سنغافورة 64.3 دولار للبرميل أي 8.1 دولار للصفيحة وما يعادل 5.7 دينار أردني للصفيحة، وبنزين أوكتان 92 بسعر 62.62 دولار للبرميل تحميل ظهر الباخرة، أي بسعر 7.9 دولار للصفيحة، وما يعادل 5.6 دينار أردني للصفيحة، وبنزين أوكتان 98 في ميناء روتردام الهولدندي تحميل ظهر الباخرة بسعر 69.65 دولار للبرميل، أي بسعر 8.8 دولار للصفيحة وما يعادل 6.2 دينار للصفيحة ، وطالما أن تلك الدول تستورد النفط الخام وتكرره في مصافيها بما فيه البنزين وتعرضه للبيع أو للتصدير بهذه الأسعار المنخفضة بالرغم من ارتفاع تكاليف الإنتاج لديها كون حصة الفرد لديها من الناتج المحلي الإجمالي تزيد عن عشرة أضعاف مستواها في الأردن، مما يجعل مستوى أجور الأيدي العاملة لديها وباقي تكاليف الإنتاج أعلى مما هي في الأردن، لذا يفترض أن يستورد الأردن هذا النفط الخام ويكرره ويعرضه للبيع في مصفاة البترول الأردنية بنفس الأسعار التي تباع فيها المشتقات النفطية في موانيء سنغافورة ورتردام الهولندي وموانيء الولايات المتحدة الأمريكية.
وإذا ما إضيفت على أسعار البنزين المكرر في مصفاة البترول الأردنية أو المستورد من الخارج ضريبة مبيعات أردنية بنسبة 48%، وضريبة مقطوعة بمبلغ (2) دينار للصفيحة، ومبلغ (1.25) دينار أجور نقل للصفيحة من مصفاة البترول الأردنية إلى محطات التوزيع زائداً أرباح محطات التوزيع، فيفترض أن لا يزيد سعر بيع الصفيحة من بنزين 95 للمستهلكين في الأردن عن 11.7 دينار للصفيحة، بينما كانت تباع على أرض الواقع خلال نفس الشهر ( أوائل شهر آذار 2020) بسعر 19.3دينار للصفيحة، أي بزيادة 7.6 دنانير عن السعر المفترض ، وأن لا يزيد سعر بيع صفيحة البنزين 92 للمستهلك عن 11.5دينارللصفيحة، والذي يزيد بجودته كثيراً على بنزين أوكتان 90 الأردني، الذي يباع بـ 14.9 دينار للصفيحة، أي بزيادة عن السعر المفترض بمبلغ 3.4 دينار، وأن لا يزيد سعر بيع بنزين 98 عن 12.4 دينار للصفيحة، بينما بلغ سعره في الأردن 22.3 دينار للصفيحة، أي بزيادة 9.9 دناير عن السعر المفترض، ولا يوجد ما يبرر الفروق الكبيرة جداً بين أسعار بيع البنزين في الأردن وما يفترض بيعه به في ظل أسعاره العالمية وتكاليفيه الحقيقية، إلا وجود خلل في تكاليف توريد النفط الخام والمشتقات النفطية إلى الأردن، وهو ما يرجح بقوة وجود أطراف أخرى تتاجر بالنفط الخام والمشتقات النفطية إثناء عملية استيراده ، والتي تشتريه باسعار السوق العالمية ، بينما تورده للأردن بأسعار مرتفعة، وهذا ناتج عن سوء وفشل إدارة الجهات الرسمية المعنية بادارة قطاع الطاقة في الأردن، في مقدمتها وزارة الطاقة والثروة المعدنية، وزارة المالية، هيئة تنظيم قطاع الطاقة والمعادن، والجهات الرقابية ومنها ديوان المحاسبة، وهيئة النزاهة، ومجلس النواب، وما يترتب على ذلك من أضرار جسيمة وخطيرة إرتدت سلبياً ولم تزل على مسيرة التنمية الاقتصادية ومعيشة المواطنين.
في أسواق الولايات المتحدة الأمريكية وهولندا وسنغافورة التي تعتبر من قبل منظمة الأقطار المصدرة للنفط OPEC مقياسا لمستويات أسعار المشتقات النفطية على المستوى العالمي، والتي حينما تنخفض أسعار النفط الخام في الأسواق العالمية فسرعان ما تنخفض معها أسعار المشتقات النفطية، ومع إرتفاع أسعار النفط الخام فسرعان ما ترتفع أسعار هذه المشتقات، على سبيل المثال إنخفضت أسعار سلة نفط أوبك من 65.09 دولار للبرميل في شهر كانون ثاني 2020 إلى 55.49 دولار للبريل في شهر شباط 2020 ، فأعقبه إنخفاض بأسعار المشتقات النفطية خلال نفس الفترة في موانيء الولايات المتحدة للبنزين أوكتان 93 من 73.4 دولار للبرميل إلى 69.37 دلار للبرميل، كما انخفضت للبنزين 98 أوكتان في ميناء روتردام الهولندي من 76.19 دولار للبرميل إلى 69.65 دولار للبرميل، وانخفضت في سنغافورة للبنزين اوكتان 95 من 71.13 دولار للبرميل إلى 64.34 دلار للبرميل، وللبنزين اوكتان 92 من 69.08 دلار للبرميل إلى 62.62 دولار للبرميل ، مما يؤكد التزام هذه الدول ( على النقيض من الحالة الأردنية) التزاماً تاماً بحركة أسعار النفط الخام وانعكاسه على أسعار بيع المشتقات النفطية.
من غير المقبول بل من المرفوض اقتصاديا أن تهبط أسعار النفط (أيا كان مستوى هذا الهبوط) دون هبوط مماثل بمستويات أسعار المشتقات النفطية في الأردن، فليس عند الأسعار الحالية 14 دولار للبرميل بل عند مستوى سعر 35 دولار للبرميل يفترض مع كل الضرائب والمصاريف التي تفرضها الحكومة الأردنية على أسعار المشتقات النفطية أن لا تزيد أسعار البزين 90 عن 6.8 دينار للصفيحة، وبنزين 95 عن 7.2 دينار للصفيحة، وبنزين 98 أوكتان عن 7.5 دينار للصفيحة، هذه الأسعار الاقتصادية الحقيقية في ظل أسعار النفط الخام في الأسواق العالمية التي يفترض أن تخفض الحكومة الأردنية أسعار البنزين عند مستواها.
البعد الاستراتيجي الآخر البالغ الأهمية للاقتصاد الوطني وللاستثمار ولتحسين مستوى معيشة المواطنين، هو حاجة الأردن الماسة لتأسيس هيئة أو لجنة وطنية رسمية عليا مستقلة إستقلالاً تاماً عن وزارة الطاقة والثروة المعدنية وعن أية جهة رسمية أخرى، تتالف من عناصر وشخصيات وطنية معروف عن أعضائها النزاهة والخبرة العميقة والإنتماء الصادق للوطن، لتتولى إدارة عملية استيراد النفط الخام والمشتقات النفطية وتسعيرها في ضوء تكاليفها الحقيقية (وليست الوهمية)، كي تعيد هذا القطاع الإستراتيجي لمساره الاقتصادي الصحيح، بعد أن خرج عن هذا المسار لعقود طويلة .