31-03-2020 12:57 PM
بقلم : المحامي علاء مصلح الكايد
وردت العبارة في العنوان أعلاه خلال زيارة جلالة الملك إلى القيادة العامّة للقوّات المسلّحة وبرفقته سموّ وليّ العهد حيث قال جلالته " الجهود التي تبذلها القوات المسلحة، وتحمل المواطنين لمسؤولياتهم، وتكاتف الجميع، نهج يجب الاستمرار فيه " .
وقد كتبت قبل أيّام مقالة تحمل مطلباً للحكومة بأن يكون أدائها الإستثنائيّ المحمود في الأزمة إعتياديّاً ، لكنّ العبارة الملكيّة حملت التوجيه لما هو أشمل وأكثر بُعداً ، ألا وهو التّكاتف الكامل ، للجميع ومن الجميع .
ولعلّ العبارة التي جائت مستغلّة الأزمة تذكّر بما كرّره القائد مراراً من ضرورة تحمّل الجميع مسؤوليّاته كضمانة للتقدم والبناء ، ولعلّ الدعوات الأخيرة - قبل الأزمة - لمعشر شباب الوطن وشابّاته تُرجِمَت الآن بضرورة المشاركة في بناء الوطن وقول كلمتهم لتتّسق الخطط النّافعة والرّافعة مع طموحاتهم وتتّفق مع ما يتطلبه المستقبل ، وها هم اليوم يظهرون أعلى درجات الحرص والتفهّم لضرورات المصاحة الوطنيّة ويشكّلون الرّديف الداعم للدولة عبر إلتزامهم ومبادراتهم الإنسانية الطيبة ، وعلى الجهة المقابلة يظهر تفهّم الحكومات لإحتياجات الشّعب والعناية بها قدر المستطاع .
وعلى صعيد الحكومات ، تكثّفت دعوات جلالة الملك لها في السنوات الماضية أن تجتهد وتطبّق القانون والخطط بحزم دون تراخٍ أو تردُّد ، وها هي الآن تكسب جولة الثقة بناء على هذا العنصر وما سبق ذكره من إهتمام بشؤون المواطنين .
ورغم غيابه القسريّ عن المشهد ، لا بدّ لنا من التعريج على المجلس النّيابيّ وأثره على عمل الحكومات إجمالاً ، فالحكومة اليوم متمتّعة بسلاسة الحركة وسهولة القرار نظراً لصيانة أعمالها بموجب قانون الدفاع وتحصينها من السلطة النيابية الرقابية ، وهذا يفتح سؤالاً مهمّاً حول فعاليّة الرّقابة البرلمانيّة التي يجب وأن تكون مُعدِّلة للمسارات لا مُعطِّلة لها ، وهذا ما يؤشّر على خللٍ يخلقه زحام العمل النيابيّ الحكوميّ المشترك وفوضويّة المشهد في ظلّ بُعد العمل التشريعيّ والرّقابيّ عن التكتُّل المنتج ، وهذا أيضاً ما يدلّل بوضوح على ضرورة تحقيق الرّؤية الملكيّة بحياة برلمانيّة حزبيّة برامجيّة ، نظراً للفارق الشاسع بين التركيبتين من حيث الأثر .
لا يجوز أن نتحدّث بصيغة الماضي وكأنّ الأزمة قد إنتهت ، فلا نقول أنّ الحكومة أبلت بلاء حسناً بل تُبلي كذلك مرحليّاً ، وإنّ الأمر - برأيي - مرتبط بمدى إستجابتها للتوجيهات الملكيّة والقدرة على ترجمتها ، فمن يراقب المزاج العامّ سيلحظ كيف كانت ردود الأفعال سلبيّة على بعض التدابير والتصريحات في بدايات الأمر والتي دفعت ببعض الوزراء للظهور بمظهرٍ دفاعيٍّ تبريريّ ، لينقلب المزاج ذاته بعد ترؤس جلالة الملك الإجتماع الأول في مركز الأمن وإدارة الأزمات وما تبعه من إجراءات أشاعت الثقة ونشرت الطمأنينة وتحوّل القلق إلى إرتياحٍ وأداءٍ تحدّث عنه العالم أجمع .
وإنّنا لا ننكر على الحكومة جهدها وإجتهادها بل نحيّي ذلك من منطلق الشعور بالواجب الوطنيّ والمسؤوليّات الدستوريّة ، ولا بدّ لمن يجتهد أن يصيب ويُخطيء .
الخلاصة ، أنّ المشرّع لا يلغو ، وطالما نصّ الدستور على أركانٍ للدّولة منها الشّعب ، يتوقّف بنائها إذا غاب هذا الرّكن أو تراجع دوره ، وأنّ تناغم سُلُطات الدّولة ومؤسساتها وأجهزتها متاحٌ وممكن وفعّال ، وإنّ هذا هو الاساس الذي تتكامل فيه الجهود فتُسَدُّ عبره كلّ الثّغرات ، كلٌّ من موقعه وضمن إختصاصه وأدواته ، فرغم أن مجلس الوزراء هو صاحب الولاية العامّة في إدارة شؤون الدولة سنداً للدستور فإن ذلك لا يعني تخلّيه عن القنوات التنفيذيّة الخبيرة على الأرض ، وذلك لا يلغي بحال من الأحوال ولاية الحكومة أو يزاحمها عليها طالما أنها صاحبة القرار المرجعيّ والمسؤولة من حيث النتيجة .
هي أزمة إختبرت كلّ شيء ، صلابة البنيان ، ومعدن الشّعب ، وأثبتت أنّ هذا البلد صالحٌ للرّهان ، ولعلّ هذا ما يفسّر يقين جلالة الملك الذي لم ينقطع للحظة عن تحفيز الطّاقات والإيمان بقدرتها .
وعلى ذات المستوى من الأهمّيّة ، عُرِّفَ النّهج القويم الذي شكّل نقطة خلاف فيما مضى إذ طالب كُلُّ بتغييره وفق زاوية نظره بينما الأدقّ والأصلح هو نهج تكاتف الدولة بعناصرها جميعاً دون الإضطرار لتغييرات راديكاليّة تهدم أركاناً أو تقصي عناصر بناء ، فمؤسّسات الدولة راسخة إمتلكت خبراتها بالتراكم ، والدستور متقدّمٌ بما يكفي ، والطاقات والقدرات متوفرة بزخم ، وتكاتفها هو اللّاصق الذي يدير المحرّك نحو الإنتاج والإنجاز والتقدّم .
ربّ إجعل هذا بلداً آمنا وإرزق أهله من الثمرات .
حفظ الله الأردنّ العظيم بقيادته الحكيمة وشعبه الوفيّ .