04-04-2020 12:45 PM
بقلم : الأستاذ الدكتور حسن البكور
سبحان من يغيِّر ولا يتغيَّر،فدلالةُ الكثيرٍ من المفاهيم التي ألِفناها، ما عادت نفسها حينما حلّت (كورونا)، فأفرغتها من ألوانها ونكهاتها التي تعارفنا عليها، وانتزعت منها طعمها المألوف، مما أحدث في عالمنا ـ وربما الإنسانية جمعاء ـ خلطا في الأوراق المُتوافَق على كنهها وأصلها ومعدنها، فعلى سبيل المثال كنا بالأمس القريب، ننظر إلى الشخص الملتزم ببيته ولا يخرج إلى مشاركة الناس أنّ ذلك السلوك يليق بربّة المنزل فحسب، لكنه اليوم (الإلتزام) بالبيت يُعدُّ بطولة؛ لأنه صمّامُ الأمان للحفاظ على صحة الفرد والمجتمع، حتى مدلول كلمة الإنسان مدنيٌّ بطبعه، كما قال ابن خلدون في مقدمة كتابه، التي ألفناها منذ نعومة أظفارنا، وجميعنا توافق على صحتها وأهميتها، أخذت تفقد بعضا من إيجابياتها، فالكل في هذا الظرف، وفي هذه البيئة العالمية الجديدة وفي ظلّ تداعيات هذا الوباء وهذه الجائحة، غدونا متفقين على سلبيات الاختلاط والتواصل الاجتماعي وجها لوجه، واستبدلنا به المفهوم الجديد (الحجر الصحي) الذي يمنحنا طاقات إيجابية ويحصِّننا من الخطر الذي يداهمنا، فغدا الحجر الصحي يأخذ دلالات جديدة إيجابية، اكتسبها من إفرازات المتغيرات الجديدة، ولعلّ ما يزيد هذا المصطلح قبولا هي النتائج الفاعلة التي تعود بالخير على المحجور عليه؛ لأن الأمر يتعلق بمسألة ارتباطه بالحياة والموت...
لعلّ كثيرا مما كنا ننظر إليه في مرحلة منصرمة بمنظور القبول الذي يُفضي إلى الطمأنينة، بدأت دلالته تتغيّر، فالمصافحة والعِناق عنصران مهمان، ومظهران ضروريان؛ لإثبات المودّة والمحبة بين البشر، لكنهما اليوم يُعَدّان مصدرا من مصادر نقل العدوى التي تؤدي إلى إحداث كثير من المتاعب للناس، وربما إلى الموت..
ومن هنا فَقَدَ هذان المصطلحان بعضا من الدلالة التي وُضعا لهما في الأصل؛ ليكتسب دلالاتٍ جديدةً فرضتها معطيات جديدة، وواقع جديد....
وأخيرا أودّ أن أشير إلى أن دلالة الكلمات تتحوّل وتتغير، تبعا للتطوّرات والأحداث الجديدة، ولا تثبت على إشارات ودلالات واحدة ثابتة... أسأل الله تعالى أن يرفع الوباء والبلاء عن وطننا ، وأن يحمي قيادتنا وشعبنا وجيشنا واجهزتنا الأمنية من كل مكروه يا رب العالمين.