06-04-2020 02:55 PM
بقلم : د. رياض خليف الشديفات
وقفة تأمل مع الآية " وفي أنفسكم أفلا تبصرون "
في الآية دعوة كريمة إلى الإنسان أن يبصر ما في نفسه من مظاهر قدرة الله تعالى ، ومن العجائب التي يفنى الدهر ولا يمكن له أن يحيط بأسرارها ، وكلما جاء عصر كشف الجديد والمزيد من أسراره، فالمجال رحبٌ وواسعٌ للتفكر والتأمل في النفس الإنسانية ، فهذا الإنسان عجيبة في خلقه وتكوينه الجسدي والنفسي والعقلي والروحي ،الأطوار التي مر بها ، مراحل تكوينه ، مراحل حياته ، التغيرات التي تطرأ عليه ، أحواله الجسدية ، ولا يستطيع الواحد منا أن يعرف نفسه التي بين جنبيه ، ولا يستطيع أن يعرف ما باطنه من الخفايا والأسرار ، هل يستطيع أعظم العلماء من البشر أن يحيط بعمل كل الأجهزة الموجودة في جسده ؟ كيف تتعاون كل الأعضاء في جسم الإنسان لتقوم بوظائفها في تناسق تام ، وفي تجاوب دقيق مع بعضها ، إذا تعب عضو منها تداعت له بالسهر والحمى ، مجموعة كبيرة من الموازين المنسجمة فيما بينها ، ميزان الحرارة ، ميزان الضغط ، نسبة السكر ، نسبة الدهنيات ، نسبة الأملاح ، الهرمونات .... ألخ .
إن المجال الرحب للتفكير في النفس الإنسانية يجعل الإنسان يفكر في نفسه التي بين جنبيه ، كم فيها من الأسرار التي تعجز كل العبقريات عن كشفها أو الإحاطة بها ، فهي مستودع لا حد له من المشاعر والأحاسيس ، ومن المتقابلات ، ومن المتناقضات على حد سواء ، ومن التغيرات والأحوال التي تطرأ عليها في اللحظة الواحدة ما يجعل المرء يحار في سرعة تبدلها وتغيرها ، فما بين الفرح والحزن لحظة ، وما بين السعادة وعكسها لحظة قصيرة ، خبر واحد قد يقلب حياة الإنسان رأساً على عقب ، موقف واحد قد يغير مجرى حياة الإنسان ، حدث بسيط قد يترك أثره لسنوات طوال ، معروف واحد قد يجعل الإنسان أسيراً لذلك المعروف طيلة حياته ، نظرة واحدة قد تفعل فعلها في نفس الإنسان ما لم تفعله عشرات المواقف .
وفي نفس الإنسان من النشاط والحيوية ما يحيّر العقول ، فلدى الإنسان من الطاقة المعنوية ما يبعث على الدهشة من اين جاءت كل هذه الطاقة؟ وكيف تختفي ؟ ، الخمول والنشاط من خصائص النفس ، السكون والراحة ، التواضع والتكبر ، الحب والكره إلى ألخ .... ، كل فرد من بني الإنسان عالم قائم بذاته وقدراته ، كل فرد نموذج مختلف عن الأخر، لكل فرد بصمة خاصة في أصابعه ، بصمة في عينه، بصمة جنسية ، بصمات متعددة لا تتشابه مع ملايين البشر ، جينات وراثية تمّيز كل فرد عن الأخر، أما عالم الروح في جسد الإنسان ، عالم يمنح الحياة إلى أجل مسمى ،الأرواح تتنافر وتتلاقى في عالم لا يستطيع كل العلماء أن يفسروا سر التجاذب فيما بينها ، ترى إنساناً فتحبه لأول مرة وكأنك تعرفه منذ زمن طويل ، وترى أخر فتنفر منه وكأنك قد خبرته فترة من الزمن ، الروح تسرى في عالم الروحانيات فتشعر بسعادة غامرة لا مكان لها في عالم المادة ، وحيناً أخر تسرى الروح فتشعر بانقباض شديد وكأنك تحس بألم لا تعرف مصدره ، وفي عالم الروح ينام الجسد فترى الروح من عالم الرؤيا ما يفوق الخيال ، في لحظات تطوف الروح في الأنهار أو الجنات ، أو تخاطب الأموات ، في عالم الروح ما لا يستطيع كل البشر أن يفكوا سره مهما بلغوا من العلم ، الجسد محل بحث العلماء والأطباء ، ويبقى المجال رحباً للتأمل والنظر في عالم الإنسان " وفي أنفسكم أفلا تبصرون " .
د . رياض خليف الشديفات / المفرق /2020م