07-04-2020 01:34 PM
بقلم : لينا خليل العطيات
تعيش الأرض وسكانها قاطبة بحالة من القلق والخوف وضبابية المشهد، بل وغياب التصور للقادم من الأيام الأمر الذي فرض ردات فعل نفسية تتوافق مع فلسفة سيكولوجية الجماهير.
تسارع البشر بغض النظر عن أي مرجعيات ثقافية أو إجتماعية لصناعة مكنيزمات دفاع وإبتكار أساليب تشتيت وفرص للتعبير والتنفيس كل حسب قدراته ومهاراته فهناك من وظف منصات التواصل الإجتماعية والمواقع الإلكترونية للتعبير عما يختلجه ويجول بخاطره وخصوصاً مع ضمان تفاعل مباشر وسريع ومشاركه لهمومه وهواجسه مع المجموع العام ، فهناك من كتب المقال والخاطره والبحث العلمي ونشره، وآخر أعد الأطباق الشهية وصورها، وآخر سمعناه وقد حور وعدل بكلمات الأغاني والأناشيد بغرض إيصال معلومة أو توعية بظل الزائر غير المرحب به كورونا، وأخيراً وليس آخراً ظهر أبطال البث المباشر الذين يتقنون الحديث عن كل شيء واللاشيء بذات الوقت، وأظنه كله خير بغض النظر عن جودة المحتوى أو عبقرية الطرح فالآن العبره كل العبره بخلق مشاركه وأنس وإن كان إفتراضي.
توقف الحديث عن المناسبات العامة والخاصة، تجمدت أوصال كافة القضايا التي وصفت سابقاً بالمفصليه والتي مات دونها كثر، فلا حديث عن فلسطين وشتاتها، ولا سوريا ونزاعاتها، أو اليمن و إقتتالاتها، لم نعد نتلقف أي أخبار أو توصيات من صندوق النقد أو البنك الدولي، أصبحت كورونا شغلنا الشاغل وحديثنا المتواصل وحدثنا العاجل.
للعالم عالمه ولي عالمي الذي لا يمكن أن أنتزع أصولي وجذوري منه مهما حاولت الإستطاله والنمو بعيداً عن حدوده عُدت وكلي حنين إليه... ، تصادف اليوم ذكرى وفاة والدي له الرحمة والمغفرة والجزاء الحسن، ربما يقول البعض الحنين لذكرى متوفى بظل عالم كل مافيه متوفى أو مرشح للوفاه مجرد سيل من العواطف غير المبررة لكن أجد أن الفقد هو تجربه موجعه تحدث بحياة كل منا مره واحده وبعدها تتساوى كل الخسارات بل نصبح نجمّل الخسارات ونبررها ونجدها خلاص وخروج من الضيق للفرج.
كنت أستمتع بمتابعة الأخبار معه فقد كان متابعاً لها لا تابع يتقن التحليل ويجيد الربط والتفكير خارج المألوف وبعيداً عن أطواق المستهلك والمعتاد، كان طيراً حراً يرفض المكوث بمكان أو الإستمرار على حال لفتره طويله من الزمن.
تجول وجال وطاف وسافر لألمانيا وتركيا ومصر وسوريا والعراق والسعودية والإمارات العربية المتحدة وعمل بها أيضاً، عمل بوظائف ومهن مختلفة وصنع ايديولوجيته الخاصه والتي قد يظنها البعض متناقضة كان يتقن العزف على السكسفون ويعشق النحاسيات إجمالاً، شرح لي مره من دفتر أصفر ورقه منظم بشكل أفقي النوته وكانت أسطرها مرصوفة بشكل ملفت وجميل، أخبرني بأن نيتشه قال :- (الموسيقى ألغت إحتمال أن تكون الحياة غلطة)، وطالما حدثني عن سمير خورشيد وعن صناعة التهذيب التي تكون بروح الموسيقى، كان يحب علي بن أبي طالب ويردد (أنتم أبناء الحياة) ،( وأحب من شئت فأنت مفارقه).
قبل ثلاثة أيام قام الدكتور صبري ربيحات بالإطلالة على الأصدقاء بصفحته الشخصيه بالفيس بوك ببث مباشر وكنت قد أجريت معه مقابلة أثناء عملي بإذاعة (سياحة إف أم)، _وحدثني والدي عنه وقتها بل وساعدني بإعداد الحلقه وتواصل مع الدكتور بإتصال هاتفي وتذكرا الكثير من زمالة العسكرية_، وكوني أستمتع وأستفيد كثيراً من طرح الدكتور الربيحات كنت أشاهد البث وبمجرد أن قرأ أسمي تحدث بكل لطف عن والدي وجدي ولا أبالغ اذ قلت بأنني بكيت حينها لأنني كنت قد كتبت بشذرات كتاب فكر فردوسي شذرة بفصل (هو وهي) تقول :- ( أنتِ كما وصايا أبي علمت قيمتها بعد أن فات وقت تطبيقها)، استوقفت والدي هذه الشذرة وقال وقت تفحصة ومراجعته للكتاب ( إستفيدي من وجودي وركزي قدحك بتستاهلي الاحسن إشتغلي على حالك).
للأباء كل الوقت وكل الحضور وكلما إشتد الخطب كنا بحاجتهم أكثر وأكثر فهم السكينة وبيت التعافي والطمأنينة التي نستظل بها حتى وقت تذكرهم رغم الغياب.
لينا خليل عطيات.
٧_نيسان_٢٠٢٠