14-04-2020 03:52 PM
بقلم : د. نواف عواد بني عطية
قال رسول الله ﷺ " إذَا سمِعْتُمْ الطَّاعُونَ بِأَرْضٍ، فَلاَ تَدْخُلُوهَا، وَإذَا وقَعَ بِأَرْضٍ، وَأَنْتُمْ فِيهَا، فَلاَ تَخْرُجُوا مِنْهَا " متفقٌ عليهِ.
الحجر الصحي : هو إجراء يخضع له الأشخاص الذين تعرضوا لمرض معدٍ، سواء أصيبوا بالمرض أو لم يصابوا به. وفي الحجر الصحي يُطلب من الأشخاص المعنيين البقاء في المنزل أو أي مكان آخر لمنع المزيد من انتشار المرض للآخرين، ولرصد آثار المرض عليهم وعلى صحتهم بعناية ، وقد يكون الحجر الصحي في منزل الشخص، أو منشأة خاصة مثل فندق مخصص، أو المستشفى ، وخلال الحجر الصحي يمكن للشخص القيام بمعظم الأشياء التي يمكنه القيام بها في منزله ضمن قيود الموقع الذي يتواجد فيه، وفي العادة يطلب منه أخذ درجة الحرارة وتقديم تقرير يومي إلى السلطات الصحية حول ما يشعر به، كما يتم إعطاء تعليمات للشخص حول ما يمكن أن يفعله أو لا يفعله مع أفراد الأسرة.
أولًا : الإمتثال لأوامر السلطة كإجراء قانوني ووقائي
يترتب عن إعلان انتشار فايروس covid-19 المستجد إتخاذ مجموعة من التدابير اللازمة من طرف سلطات الدولة من أجل المحافظة على سلامة وأمن المواطنين ، وهذا بدوره يؤدي إلى فرض العديد من القيود على الحريات والحقوق الشخصية المكفولة بالدستور؛ وذلك بغية الحد من انتشار هذا الوباء .
وبناءً على ذلك صدرت الإرادة الملكية السامية بالموافقة على قرار مجلس الوزراء، بإعلان العمل بقانون الدفاع رقم 13 لسنة 1992، في جميع أنحاء المملكة الأردنية الهاشمية، اعتبارًا من 17 آذار 2020. وينص الدستور الأردني في المادة 124 على أنه "إذا حدث ما يستدعي الدفاع عن الوطن في حالة وقوع طوارئ فيصدر قانون باسم قانون الدفاع تعطى بموجبه الصلاحية إلى الشخص الذي يعينه القانون لإتخاذ التدابير والإجراءات الضرورية بما في ذلك صلاحية وقف قوانين الدولة العادية لتأمين الدفاع عن الوطن " .
ونصت المادة الثانية من قانون الدفاع على أنه في حال إنتشار آفة أو وباء يعلن العمل بالقانون بإرادة ملكية تصدر بناء على قرار من مجلس الوزراء " ، وتتضمن الإرادة الملكية بيان الحالة التي تقرر بسببها إعلان العمل بهذا القانون والمنطقة التي يطبق فيها وتاريخ العمل به ، ويعلن عن وقف العمل بهذا القانون بإرادة ملكية تصدر بناء على قرار من مجلس الوزراء .
كما تستند الحكومة في إجراءاتها إلى المادة 45 من الدستور، التي تنص على أن مجلس الوزراء يتولى إدارة جميع شؤون الدولة الداخلية والخارجية سواء في الظروف العادية والاستثنائية ... هذا ما يعرف بالولاية العامة لمجلس الوزراء ، وما تقوم به وزارة الصحة تحديدا من إجراءات تستند إلى قانون الصحة العامة رقم 47 لعام 2008 وتحديدا المادتين 20 و22 واللتين تلزم وزير الصحة في حال تفشي وباء في المملكة أن يتخذ الإجراءات اللازمة لعزل أشخاص مصابين والأشخاص الذين يحتمل إصابتهم واتخاذ كافة التدابير التي تحد من انتشار الوباء ، أما المادة 124 من الدستور تنص صراحة على أنه إذا اضطر الدفاع عن الوطن في حالة حدوث حالة طوارئ يجب أن يتم تفعيل قانون الدفاع.
ويناط تطبيق القانون برئيس الوزراء لإتخاذ التدابير والإجراءات الضرورية لتأمين السلامة العامة والدفاع عن المملكة دون التقيد بأحكام القوانين العادية المعمول بها، حيث أصدر رئيس الوزراء وزير الدفاع الدكتور عمر الرزاز أمر دفاع رقم (6) لسنة 2020 صادر بمقتضى قانون الدفاع رقم (13) لسنة 1992 " ... حيث ان الهدف الأساسي من حظر التجوّل هو حماية حياة الأردنيين وصحتهم ... " ، كما نصت المادة العاشرة من قانون الدفاع " ويوقف العمل بأي نص أو تشريع يخالف أي حكم من أحكام هذا القانون والأوامر الصادرة بمقتضاه.
وتطبيقًا لذلك نجد المادة (الرابعة ) من قانون الدفاع لرئيس الوزراء ممارسة الصلاحيات التالية:
أ- وضع قيود على حرية الأشخاص في الاجتماع والانتقال والاقامة، وإلقاء القبض على المتشبه بهم أو الخطرين على الأمن الوطني والنظام العام واعتقالهم.
ز- اخلاء بعض المناطق أو عزلها وفرض منع التجول فيها.
ح- تحديد مواعيد فتح المحلات العامة وإغلاقها كلها أو بعضها.
وعملًا بمبدأ لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص ، فقد جاءت النصوص تجرم وتعاقب كل من يخالف هذه الأوامر والتي تأخذ بعين الإعتبار التدرج في العقوبة حيث يعاقب من يخالف أوامر الدفاع بالعقوبات المنصوص عليها في الأوامر على أن لا تتجاوز العقوبة الحبس مدة 3 سنوات أو الغرامة بمبلغ 3 آلاف دينار أو العقوبتين معًا ( المادة 7/أ) من قانون الدفاع ، وإذا لم تبين أوامر الدفاع عقوبة للمخالفة فيعاقب المخالف بالحبس مدة لا تزيد عن 6 أشهر وبغرامة لا تتجاوز 500 دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين (المادة 7/ب) من نفس القانون .
ثانياً : الحجر هو الأسلوب الأنجع لمنع تفشي المرض
أعلنت منظمة الصحة العالمية يوم الخميس 30 يناير 2020 على أن تفشي فيروس كورونا الذي ظهر في الصين وانتشر في العديد من مناطق العالم يشكل حالة طوارئ ذات بعد دولي، بعدما قتل العديد من الأشخاص في الصين وانتقل إلى العديد من دول العالم بحيث أصبح حالة طوارئ صحية عالمية ، وأوصت في ذات السياق دول العالم الأخذ بالإجراءات اللازمة لكبح جماح عدوى هذا الوباء من خلال تكثيف إجراءات الرصد والتأهب والاحتواء ...
وعلى إثر ذلك بدأت الكثير من الدول تطبق الحجر الصحي الذي أصبح يأخذ أشكالًا متعددة كتدبير استثنائي من بينها الحجر الوطني المتمثل في إغلاق الحدود ، في حين قررت بعض الدول الحجر المنزلي أو ما يمكن تسميته بالحجر الصحي العام على مواطنيها ، بإستثناء فتح بعض المرافق الصغيرة مثل محلات بيع المواد الغذائية الصغيرة والصيدليات .
ثالثاً : مواجهة فايروس covid-19 مسؤولية دولية تضامنية
إن اتخاذ إجراءات احتواء الفيروس بإعتباره يشكل تهديدًا خطيرًا للحق في الحياة والصحة والأمن، يعتبر مسؤولية تقع على عاتق الدول بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، وهذه المسؤولية مبينة على سبيل المثال، في نص المادة (الثانية) من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والتي تنص بأنه: " تتعهد الدول الطرف في هذا العهد بأن تتخذ بمفردها وعن طريق المساعدة والتعاون الدوليين وبأقصى ما تسمح به مواردها المتاحة، ما يلزم من خطوات لضمان التمتع الفعلي ، التدريجي بالحقوق المعترف بها في هذا العهد، سالكة إلى ذلك جميع السبل المناسبة وخصوصًا سبيل اعتماد تدابير تشريعية...".
مما يعني أن تنفيذ الحجر الصحي، وتقييد الحركة، وغيرها من التدابير الأخرى المتخذة لإحتواء ومكافحة انتشار الفيروس، يجب دائما أن تتماشى ومعايير حقوق الإنسان، ووفقًا للضرورة وبطريقة متناسبة مع المخاطر التي يتم تقييمه ، إن مكافحة تفشي الفيروس بطريقة فعّالة يعني أن نضمن حصول الجميع على العلاج، وعدم حرمانهم من الرعاية الصحية، وأن تنفذ كافة التدابير الصحة العامة بدون تمييز، مع التركيز على الشفافية ونشر المعلومات لتمكين الناس من المشاركة في الحماية الصحية.
ولما كانت الأزمة الصحية الحالية غاية في الخطورة مما يسمح لدول بمقتضى القانون الدولي بإستخدام الصلاحيات الإستثنائية ردًا على التهديدات الكبرى، فإنه يجب عدم المبالغة في التدابير الأمنية المتخذة لتصدي للفيروس، لذلك يتوجب أن تكون هذه الاجراءات متناسبة وضرورية ومن غير تشدد - وهذا ما أوصى به جلالة الملك عبدالله الثاني في توجيهاته للدولة عند تطبيق قانون الدفاع - إن الهدف وراء التطرق إلى هذه النقطة، هو تبيان مدى أهمية احترام معايير حقوق الإنسان في صلب تدابير إحتواء الفيروس، والتي مع ارتفاع أكثر حدة في عدد الحالات والوفيات والبلدان المتضررة ومع المستويات المفزعة لتفشي المرض ووخامته، لم تحتل هذه المعايير في كثير من الأحيان أولوية في التدابير المتخذة، وفي الجهود المبذولة، بيد أن عدم احترامها من شأنه أن يؤدي إلى المزيد من المعاناة والخسائر ، وعليه فاحترام معايير حقوق الإنسان في اتخاذ تدابير الإحتواء ليس من الأمور التي من الممكن أن تترك لمرحلة لاحقة .
بالإضافة إلى ذلك فإن الحق في الحرية الشخصية يتأثر بالتدابير المتخذة، خاصة فيما يتعلق بفرض الحجر الصحي الإلزامي على الأفراد الذين ثبتت إصابتهم بالفيروس المستجد، والاستشفاء غير الطوعي، بما في ذلك عدم مغادرة الأشخاص لمحل سكناهم ، هي كلها قيود على الحرية الشخصية للأفراد، لكنها قيود بمقتضى القانون، تتماشى مع المادة التاسعة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية زيادة على ذلك فإن الاحتجاز القانوني لشخص مرجح نشره مرضًا معديًا ، هو أيضًا من بين أحد الأسباب القانونية الستة الموجبة للإحتجاز ، كما أن إشتراط استصدار وثيقة (التصريح) كإستثناء على حرية التنقل يتوجب أن تكون في اضيق الحالات وللضرورة الماسة، وهذا يتماشى مع مقتضيات المادة (الثامنة) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي تستبعد من العمل القسري أو الإجباري أية خدمة تفرض في حالات الطوارئ أو النكبات التي تهدد حياة الجماعة أو رفاهها ، وتمثل حالة إنتشار فيروس covid-19 المستجد من الضرورات التي يستوجب اتخاذ هذا الإجراء " الحجر " لمواجهة هذا البلاء .
وفي الأخير، نستنتج أن الجهود المبذولة لمكافحة هذا الفيروس، لن تنجح ما لم يتم التعامل معه بشكل حازم وجاد، فضلًا عن اتباع نهج قائم على حقوق الإنسان عند التصدي لهذا الوباء، من أجل تحقيق مجتمعات سليمة تتمتع بسيادة القانون وحماية حقوق الإنسان.
إضاءة ... على الرغم من للحجر وانتشار فيروس covid-19 أثارًا على العقود – وهو موضوع يطول شرحه – إلا أنه لم يغيب عن معالجة هذا الأمر فجعل العقد موقوفًا حتى زوال هذه الحالة فقد جاءت المادة (11) من قانون الدفاع " إذا تعذر تنفيذ أي عقد أو التزام بسبب مراعاة أحكام هذا القانون أو أي أمر أو تكليف أو تعليمات صادرة بمقتضاه أو بسبب الامتثال لهذه الأحكام فلا يعتبر الشخص المرتبط بهذا العقد مخالفا لشروطه بل يعتبر العقد موقوفا إلى المدى الذي يكون فيه تنفيذ العقد متعذرا ويعتبر ذلك دفاعا في أي دعوى أقيمت أو تقام على ذلك الشخص أو أي إجراءات تتخذ ضده من جراء عدم تنفيذه للعقد أو الالتزام " .