15-04-2020 12:46 PM
بقلم : بسام الكساسبة
بسام الكساسبة
تختلف إدارة الاقتصاد الكلي (اقتصاد الدولة بمفهومه الكلي) إختلافاً جذرياً عن إدارة الاقتصاد الجزئي، أو اقتصاد المنشآت والمتاجر والمكاتب والشركات والبنوك، فإدارة الاقتصاد الكلي ينبغي أن يتسم القائمون عليها بالموهبة والقدرة على الإبداع والخبرة العميقة والكفاءة، وقبل كل شيء توفر عنصر النزاهة المطلقة فيهم، لتحقيق كل ما يخدم الاقتصاد الوطني.
لقد كان على الفرق الاقتصادية (جمع فريق اقتصادي) خلال العقدين الأخيرين أن تكون بمستوى طموح الدولة الأردنية نحو بناء اقتصاد دولة متطور ومزدهر، والعمل ضمن مجالات إستراتيجية حقيقية عديدة ومنها إستغلال موقع الأردن الإستراتيجي وقربه من أكبر منطقة لإنتاج النفط في العالم، وتحويل الأردن وميناء العقبة إلى مركز عالمي لتجارة وتسويق النفط ومشتقاته، مثلما نجحت دول أخرى في هذا المجال كسنغافورة وهولندا التي جعلت ميناء روتردام يصبح من أشهر مواني تجارة النفط في العالم، فقد أضاعت هذه الفرق الاقتصادية خلال العقدين الأخيرين على الوطن فرصة إنشاء شركة وطنية متخصصة بتجارة النفط على المستوى العالمي، حينما عملت هذه الفرق الاقتصادية بسوء وفشل إدارتها للاقتصاد الوطني على تبديد قرابة ثلاثة مليارات دينار أردني من رؤوس الأموال الوطنية، بعد أن سمحت هذه الفرق بين عام 2005 إلى عام 2009 بتأسيس شركات مساهمة عامة في المجالات العقارية والخدمات المالية وغيرها، التي قام على أغلبها مجموعة كبيرة من رجال الأعمال الفاشلين ممن إمتهنوا المضاربات السوداء بالأسهم في بورصة عمان، وما هي إلا بضع سنوات حتى فشلت تلك الشركات وتبخرت رؤوس أموالها وأصبحت القيمة السوقية لأسهم الكثير منها أقل من (200) فلس للسهم الواحد، وقد أفلست الكثير منها وأصبحت تحت التصفية الإجبارية، فكان من الواجب ترشيد وعقلنة استثمار رؤوس الأموال الوطنية واستثمارها في مشاريع إنتاجية حقيقية تخدم الاقتصاد الوطني وتوجيه رؤوس الأموال الوطنية لإقامة المنشات والتجهيزات اللازمة لتنفيذ مشروع تحويل الأردن إلى مركز عالمي للمتاجرة بالنفط ، ومع ذلك لا يزال هناك إمكانية لاقامة هذا المشروع الاستراتيجي الذي يعود على الاقتصاد الوطني بالكثير من المنافع والعوائد المالية المجزية.
وتتمحور فكرة مشروع تحويل الأردن إلى مركز عالمي لتجارة النفط، بالاستثمار في دورات ارتفاع وانخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية، من خلال إنشاء شركة وطنية تقوم باستراد النفط من دول الجوار عند انخفاض أسعاره في الأسواق العالمية وتخزينة في مستودعات ضخمة خاصة به، ثم إعادة تصديره عند ارتفاع أسعاره ، فمن المعلوم أن أسعار النفط خلال العقدين بين عام 2000 الى 2020 غالباً ما كانت تسير ضمن دورات سعرية تراوح بين الارتفاع والانخافاض، دورة واحدة على أقل تقدير في السنة، وبفارق يراوح بين 15 دولار إلى 35 دولار للبرميل في كل دورة، وسيؤدي الاستثمار العلمي الصحيح المدروس بعناية في هذا الجانب إلى تمكين الأردن من تحقيق أرباح وثروات مالية ضخمة وبالعملات الأجنبية، بما يدعم ميزانه التجاري ، وميزان مدفوعاته، وموازنة الحكومة المالية بالرسوم والضرائب، وتشغيل الكثير من الأيدي المحلية، وتحقيق مخزون نفطي إستراتيجي للأردن بأقل الأسعار السنوية، أما تمويل المشروع فمن خلال:
1. تأسيس شركة مساهمة عامة، وطرح أسهمها للإكتتاب العام، ليساهم كل من يرغب بالمساهمة به من المواطنين والشركات والمؤسسات الاستثمارية المحلية فقط.
2. أو أن يكون استثماراً خاصاً لصندوق إستثمار أموال الضمان الاجتماعي، الذي يمتلك قرابة 10 مليارات دينار، وطالما أنه صندوق استثماري، فبامكانه الاستثمار في هذا المشروع النفطي الإستراتيجي بمفرده، بأن يُخصص نصف مليار دينار من أمواله لإنشاء منشأت هذا المشروع وشراء النفط الخام وإعادة بيعه محليا وإعادة تصديره خارجياً.
أما المكونات الرئيسية المالية والمادية والبشرية لهذا المشروع ، والتي لا بد من توفرها مجتمعة كي يعمل بطريقة صحيحة ومرنة فهي:
1. إنشاء ميناء خاص للنفط داخل ميناء العقبة، لاستقبال ناقلات النفط الموردة والمصدرة .
2. أنشأ مستودع رئيسي لتخزين النفط ، يتالف من 90 وحدة تخزين معدنية ، لتخزين النفط الخام فيها، سعة كل وحدة 100 ألف برميل ، بطاقة استيعابية اجمالية مقدارها 9 ملايين برميل، على أن يقام على أرض تتملكها الشركة على بعد ١٠ كيلو متر شمال مدينة العقبة، بهدف الحصول عليها باثمان رخيصة ومنخفضة ، والتمكن من توفير بيئة ووسائل السلامة العامة والأمان للمشروع.
3. من 2 إلى 3 وحدات تخزين للنفط في ميناء النفط داخل ميناء العقبة، بسعة 100 ألف برميل لكل وحدة.
4. خط أنابيب مزدوج بربط ميناء النفط في العقبة بمستودعات النفط الرئيسية، ليضخ النفط بواسطتة من من ناقلات النفط إلى المستودعات وبالعكس.
5. مضخات لضخ النفط عبر شبكة الأنابيب من مستودعات التخزين في العقبة إلى المستودعات الرئيسية، ومضخات أخرى في المستودعات لضخ النفط إلى بواخر التحميل في ميناء النفط.
6. محطة لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية وربط انتاجه بشبكة الكهرباء الوطنية ومن ثم تزويد منشآت المشروع بالطاقة الكهربائية المجانية.
اما الشروط التي يجب توفرها لحماية المشروع أثناء التأسيس، ومرحلة العمل والتشغيل الضرورية لنجاحه فهي:
1. فريق إدارة يتألف من عناصر وطنية نزيهة وكفؤة ولديها خبرات عميقة وحرص عال على إنجاح هذا المشروع الوطني الإستراتيجي، وفنيين وموطفين مؤهلين للقيام بهذه المهمة.
2. حماية المشروع من خطر حشوه بأعداد من الموظفين زيادة عن حاجته ، بحيث لا يتحول إلى مظلة للبطالة المقنعة تحت ضغط المحسوبية والفساد الإداري.
3. إبعاد كبار المسؤولين الحاليين والسابقين ومن هم محسوبين عليهم عن تولي أي مركز إداري قيادي في هذا المشروع، لأنهم إذا ما استلموها أو تسللت عناصرهم الفاسدة للمشروع فسيكتب الفشل لهذا المشروع، مثلما سبق لهم أن أفشلوا الكثير من وزارات ومؤسسات وهيئات وشركات الدولة.
4. إبعاد السماسرة ووسطاء تجارة النفط عن هذا المشروع، وأن يعمل المشروع بمعزل كامل عنهم وعن تدخلهم بانشطته وسلسلة أعماله.
5. إبعاد المستثمرين الأجانب عن التملك براسمال هذا المشروع ، وأبعاد أصحاب نظريات نهج الـ (POT) عنه ، هذا النهج الرديء والسيء والفاشل، الذي ينم عن جهل وهبوط مستوى المروجين له داخل الوسط الرسمي، هذا النهج الذي يعد من ألد أعداء الاستثمار الوطني المحلي.
أما المعوقات التي تقف بوجه إقامة هذا المشروع ، فهي:
1. عدم أهلية الفرق الاقتصادية (جمع فريق) التي تتولى إدارة الاقتصاد الوطني ،وعجزها عن التفكير والتخطيط لتنفيذ مثل هذا المشروع الاستراتيجي، فالغالبية العظمى منهم وأن ظهروا بمظهر كبار المسؤولين، إلا أنهم الأقرب للموظفين العاديين المبتدئين في السلم الوظيفي منهم إلى صناع القرار الاقتصادي الاستراتيجي، فقد تم تعيينهم بمواقعهم الاقتصادية القيادية لغاية إنتفاعهم من الإمتيازات الوظيفية العالية المالية والمعنوية، لذلك من الصعب إخراج هذ المشروع لحيز التنفيذ بوجودهم، وطالما هم بهذه المواصفات ، فمن المتوقع منهم إعاقة تنفيذ هذا المشروع تحت مختلف الحجج والذرائع.
2. كما أن البيئة الإدارية والتنظيية والاستثمارية والتشريعية الرسمية السائدة في قطاع الطاقة نفسه غير مؤهلة للتعامل مع هذا المشروع الاستراتيجي الكبير، خصوصاً مع وجود منهجيات عمل غامضة ومبهمة تسوده.