16-04-2020 12:03 PM
سرايا - قال أستاذ التاريخ الإسلامي في جامعة البترا الدكتور مهران الزعبي إن الدولة العربية الإسلامية تعرضت لعدد من الطواعين والأوبئة التي فتكت في الناس، وكانت تتباين في الآثار التي تخلفها تبعًا لشدة المرض ومدى انتشاره. وكان أول طاعون سجل في الحضارة العربية الإسلامية هو طاعون عمواس الذي حدث سنة 18هـ، وقتل حوالي 25 ألف شخص، من بينهم عدد من الصحابة وهم أبي عبيدة عامر بن الجراح، ومعاذ بن جبل.
وأشار الزعبي خلال استضافته على راديو هلا إلى أن الناس كانت تطلق أسماء على الطاعون بحسب تأثيره مثل الطاعون الجارف سنة 69هـ وسمي بذلك لكثرة عدد الأشخاص الذين ماتوا فيه، وطاعون الفتيات لكثرة الفتيات التي ماتت فيه، وطاعون قتيبة بن مسلم القائد المشهور كونه أول شخص مات به وهكذا.
وبين الزعبي أن الطاعون هو أحد أشكال الأوبئة ولكن اعتاد الناس قديمًا أن يطلقوا اسم طاعون على أي وباء يكون له تأثير الطاعون، مضيفًا ظهرت بعض الأوبئة في الحضارة العربية الإسلامية لكن دون إعطاء مسميات لهذه الأوبئة، وإنما اكتفت المصادر بوصف بعض الأعراض مثل السعال الشديد والحمى والبثور الجلدية وشحوب لون الإنسان إلى اللون الأصفر، وقد ذكر المسلمون وباء الجدري حيث أشارت المصادر إلى وفاة أكثر من أربعة آلاف صبي به. في الفترة العباسية.
وقال الزعبي إن معظم الأوبئة تأتي في فصل الربيع وترتفع في الصيف. وأن أقدم وباء سجل في التاريخ في الحضارة اليونانية سنة 430 قبل الميلاد ، ولَم تكن أي بقعة في الأرض بمنأى عن الأوبئة فكان الطاعون وأطلق عليه اسم "الموت الأسود" في أوروبا من سنة 1347-1352م وقضى على ثلث سكان أوروبا.
وعبر التاريخ تمثلت الاجراءات التي تتخذ في حال انتشار وباء معين بالحجر الطوعي للأشخاص، والعزل للمصابين، والذهاب إلى الصحراء للحصول على الهواء النقي. كما تم ابتكار بعض العلاجات التي من شأنها تخفيف وطأة الوباء مثل الطين الأرمني، وتبخير البيوت بالعنبر والكافور والصندل وهو ما يشبه التعقيم في عصرنا الحالي.
ووصف الأطباء في تلك العصور بعض الأطعمة للمصابين مثل خل التفاح وخل الليمون والسماق وغيرها، بالإضافة إلى أجراء بعض العمليات البسيطة مثل "الفصد" وهو ما يشبه الحجامة لاستخراج الدم الفاسد لا سيما في الطاعون.
وكانت أسباب الأمراض والأوبئة في تلك الأزمنة تعود إلى فساد الهواء، وانتشار الجثث والجيف، وعدم تحلل النفايات. بالإضافة إلى التبول والتغوط والتفل في الطرق العامة. وقلة الاهتمام بالنظافة وانتشار الحيوانات التي تعتبر وسائل نقل للأوبئة .
وبين الزعبي أن الأوبئة ساهمت في تغيير الخريطة الديموغرافية "السكانية" للمنطقة لاسيما في المناطق التي انتشر فيها الوباء، أما تأثير الأوبئة على الاقتصاد فحدث أن فقد العراق ما يعادل 60% من دخله السنوي في فترة الطاعون الجارف. وأضاف الزعبي إلى أن الأوبئة تسببت في تغيير على مستوى القيم والعادات قبل الوباء وبعد الوباء مع أخذ الاحتياطات الصحية اللازمة والتدابير الاضافية التي من شأنها تجنب العدوى. ومع نهاية الدولة الأموية كان قد وقع عشرين طاعونا ستة منها كان جارفا ومبيدا للناس.
وأشار الزعبي إلى أنه في عهد المماليك حدث وباء كل 17 سنة. وكان المرض يصيب الإنسان والحيوان لاسيما الإبل والبقر.، وكان في الحضارة العربية الإسلامية أوبئة أقل فتكاً من الطاعون مثل الحمى القلاعية، الجرب، الجدري، الجذام، الهواء الأصفر وغيرها.
وأشار الزعبي في النهاية إلى مقولة عمرو بن العاص خلال فترة انتشار الوباء قال فيها "الوباء كالنار وأنتم وقودها تفرقوا حتى لا تجد النار ما يشعلها فتنطفئ".