18-04-2020 07:29 PM
بقلم : د. فؤاد الكلباني
كثر الحديث مؤخرا عن مرحلة ما بعد كورونا وكيف سيواجه الاقتصاد الأردني الذي يعاني أصلا التبعات الاقتصادية لهذا الوباء وبطريقة مستدامة.
خلال هذه الأزمة شاهدنا تكافلا مجتمعيا رائعا يمكن ان يبنى عليه ما بعد مرحلة الوباء . وحتى يأخذ هذا الامر بعدا عمليا ، فلا بد من طرح بعض االحلول التي يمكن أن تساهم مع غيرها من الأفكار في انتاج منظومة متكاملة للنهوض بالاقتصاد وبشكل مستدام.
من بين هذه الحلول ، يمكن القول أن قيام الحكومة بتبنى نظام الزكاة على الأفراد والشراكات يمكن أن يشكل نقطة تحول إيجابية تساهم في تعزيز التنمية المستدامة المنشودة وكذلك تحقيق التكافل الاجتماعي ورفد الموازنة العامة بذات الوقت ،وحتى نكون منصفين مع اصحاب رؤس الأموال -لأنهم عماد النهضة - فيجب ان تكون تقتطع نسبة الزكاة المفروضة من ضريب الدخل وبالتالي لا يوجد اعباء إضافية عليهم . علمًا ان الإيرادات الحكومية لن تتأثر حتى وان قلت نسبة الضريبة لأن ذلك سيعود عليها بنفع أكبر في مرحلة لاحقة.
في الفترة الماضية وقبل مرحلة الوباء شهد الاقتصاد الأردني انخفاضا كبيرا في الاستهلاك وأثر ذلك في النهاية على الوضع الاقتصادي ومقدار الضرائب المحصلة من قبل الدولة، وعلى الرغم أن هنالك العديد من الإجراءات التي يمكن أن تتخذها الدولة لزيادة الاستهلاك ورفع الطلب العام على السلع والخدمات ومنها تخفيض الضرائب (خصوصا الضريبة العامة على المبيعات)، إلا أن هنالك أمر آخر يمكن أن يساهم في تعزيز الاستهلاك وخصوصا لدى الفئات الفقيرة من المجتمع ، ألا وهو الزكاة، وهي أداة فعالة ليس فقط في تعزيز الاستهلاك ، وانما هي أداة تنطوي على العديد من الآثار الاقتصادية والاجتماعية على حد سواء.
الزكاة هي ركن من أركان الإسلام ، والمعنى اللغوي للزكاه هو الطهر والنماء، أما في معناها الاصطلاحي فهي استقتطاع مالي جبري من أموال المكلفين ليعاد توزيعه على مستحقين معينين .
من المعلوم أن الملكية كما تعارف عليها الناس هو علاقة ثنائية بين الإنسان والمال، إلا أن الإسلام أعاد تعريف هذا المفهوم حينما أقر مبدأ الاستخلاف، فقال تعالى: "وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه" (سورة الحديد، الآية 7)، وقال أيضا: "وآتوهم من مال الله الذي آتاكم" (سورة النور، الآية 33)؛ فالمال مال الله والناس مستخلفون فيه ومأمورون بالإنفاق منه، فالله سبحانه وتعالى هو المالك، والإنسان هو الخليفة، والمال هو محل الاستخلاف ، وهذا الفهم والتصور ينقل موقع الإنسان من مالك متصرف فيما يملك إلى مستخلف ملزم بدليل الخلافة، ونظام الزكاة ركن من أركان هذا الدليل.
ومن مبدأ الاستخلاف ، وبما أن الله سبحانه هو المالك للمال وقد أمرنا بالزكاه ، فإننا كمسلمين مؤمنين مقتنعين بأن الله هو من يدبر لنا ويحسن التدبير، ولا بد أنه فرض الزكاه لأهداف تسمو بالجتمع إلى ما يليق بالتشريع الرباني . من هنا جاءت هذه المقالة لتشير إلى بعض ن الآثار الاقتصادية التي تتركها الزكاه على المجتمع عوضا عن آثارها الاجتماعية المتمثلة في التكافل الاجتماعي والتي لا تخفى على أحد ، ومن أهم الآثار الاقتصادية:
1. من المعلوم أن الفقراء هو أصحاب الحاجات غير المشبعة ، فالفقير يعرف عادة بميله الحدي العالي للاستهلاك ، ولتبسيط الأمور ، فإن الفقير عادة ما ينفق كل دخله، وكل قرش يدخل عليه من خلال الزكاه أو الصدقات الأخرى لا يتم ادخاره وانما يتوجه مباشرة إلى المصروف بعكس الأغنياء الذين لا ينفقون كل دخولهم . من هنا فإن الزكاة ستؤدي بالنهاية إلى زيادة الطلب الاستهلاكي لدى هذه الفئة من المجتمع مما يعني فائدة مزدوجة فائدة بالنسبة للفقير باشباع حاجاته وفائده بالنسبة للاقتصاد بتحريكه نظرا لزيادة القدرة الشرائية لهؤلاء وزيادة الطلب العام على السلع والخدمات وهذا المحرك الاساسي لأي اقتصاد.
2. إن زيادة الطلب الاستهلاكي الناجم عن الزكاه كما تم توضيحه في النقطة الأولى سينتج عنه زيادة في الطلب الاستثماري ، حيث أن زيادة الطلب على السلع الاستهلاكية سيشجع الصانعين والمستثمرين على زيادة الانتاج مما يعني زيادة الطلب على مدخلات الانتاج ( الأرض ، العمل ، رأس المال ، التكنولوجيا والتنظيم) وهذا يعني أن الزكاه سوف تدفع إلى مستويات أعلى من التوظيف وتحد من البطالة ، علما بأن هذا الأمر يسلم به الاقتصاديون بشكل عام ، حيث أن كل إعادة توزيع لصالح الفقراء تتسبب في ارتفاع مستوى التوظيف.
3. تفرض الزكاة على المال القابل للنماء دون اشتراط نمائه الفعلي ، وبهذا ولكون الزكاه هي فرض فإن مالك المال يساق الى الاستثمار سوقا لكي يدفع الزكاه من أرباحه لا من أصل ماله حتى لا تأكل الزكاه والصدقات هذا المال ، وهذا ما حذر منه رسولنا الكريم وهذا ما يقع فيه كانز المال.
4. للزكاه أثر بالغ في تحقيق الكفاءة الاقتصادية من حيث تخصيص موارد المجتمع حسب الحاجات الحقيقية ، ففي حين أن تركز الثروة يؤدي إلى تكريس موارد المجتمع لانتاج حاجات الأغنياء الترفيهية على حساب حاجات الفقراء الضرورية ، فإن نظام الزكاه يشبع الحاجات الاساسية للفقراء حينما يتوجه المستثمرون للانتاج لتلبية تلك الحاجات مدفوعين بزيادة الطلب الاستهلاكي
5. .كما أن الزكاه تعمل على تعظيم الرفاهية لأنها تعظم المنفعة الكلية للمجتمع ، حيث أن منفعة وحدة النقد في يد الفقير المحتاج أعظم من منفعتها ذاتها في يد الغني ، وبالتالي فإن وحدات المنفعة التي يفقدها الأغنياء من جراء دفعهم للزكاه هي أقل من وحدات المنفعة التي يكسبها الفقراء على الرغم من أن المال المدفوع والمقبوض هو بنفس الكمية . فسبحان الله.
6. ايرادات الدولة في النهاية ستنتعش نتيجة زيادة أرباح الشركات ودون ان تزيد نسب الضرائب، وهنا تبرز أهمية ضريبة الدخل على حساب الضريبة العامة على المبيعات ، حيث أنها أكثر عدالة ، ولن يمانع صاحب المال من دفع ما يستحق عليه للدولة طالما أنه أرباحه تزداد ، شريطة أن تتحسن الخدمات المقدمة من قبل الدولة مقابل الضريبة الدفوعة ، وتحقيق مبدأ العدالة في التحصيل ومحاربة التهرب الضريبي بشكل جدي وفعال.
هذا جزء يسير مما قد تساهم به الزكاة في تعزيز التنمية المستدامة طبعًا مع حلول اخرى كثيرة مما يقدمه أهل الاختصاص.