20-04-2020 10:26 AM
بقلم : الدكتور رافع البطاينه
لقد كان لأزمة كورونا إيجابيات وفوائد عديدة للدولة الأردنية بكل مؤسساتها الرسمية وقطاعاتها الشعبية والمجتمعية؛؛ فقد حفزتنا الأزمة ودفعتنا إلى الاعتماد على الذات؛ واعطتنا تمرين عملي حقيقي للتدرب على كيفية إدارة الأزمات بكل شفافية ومهنية وحرفية عالية؛ وأولى هذه الإيجابيات والفوائد؛ فقد دفعت الحكومة للتعامل مع المجتمع بكل شفافية ومصداقية ووضوح في إعطاء المعلومة عن عدد الإصابات وإعطاء تفاصيل كاملة عن الأزمة وكيفية التعامل معها لاجتيازها بنجاح؛ واستعادت الحكومة كامل شعبيتها وثقتها الشعبية التي افتقدتها الحكومات السابقة على مدار عقود خلت؛ وأدار الناطق الإعلامي الأزمة وقام بدوره بكل مهنيه إعلامية افتقدناها لسنوات من ظهوره الهاديء والرزين وإعطاء المعلومة يشكل واضح ومختصر؛ أما الإيجابية الثانية فكانت بظهور وزير صحة تعامل مع الأزمة بكل هدوء وتواضع وخبرة طبية ممزوجة بالإدارة العسكرية بدون توتر أو عصبية مما أراح نفوس المواطنين وجعل الناس تطمئن أن محاربة الوباء في أيدي أمينة وقديرة وقوية؛ علاوة على حسن اختيار لجنة الوباء الوطني التي اتصفت بالهدوء والتعامل الراقي مع المواطنين وشرح المعلومات الطبية الوبائية بمفردات طبية مبسطة يفهمها الجميع علاوة على تمتعهم بحسن الخلق والتخطيط السليم لمكافحة بؤر الفايروس ومحاصرته؛ مما أعطى صورة وسمعة طيبة بكفاءة القطاع الطبي لدينا أمام العالم وهذا سيزيد من السياحة العلاجية في الأردن بعد انتهاء الأزمة؛ وإقبال الدول بشكل كثيف على استقطاب الكفاءات الطبية الأردنية للعمل لديها؛ أما الإيجابية الثالثة فتمثلت بالتكاتف المجتمعي الإنساني العفوي في مناصرة كل طبقات وأطياف المجتمع الذين تضرروا معيشيا من الأزمة من خلال التبرعات التي قدمت لصناديق الخير وهمة وطن؛ وتقديم الدعم المادي والعيني لوزارة الصحة؛ في حين كانت الإيجابية الرابعة بتغير أنماط وسلوكيات المجتمع الأردني نحو الأفضل في الترشيد والزهد المعيشي؛ وتغيير بعض أنماط العادات والتقاليد والمظاهر الإجتماعية التي تعتبر من الترف والإسراف؛ والتقليل من الإعتماد على السيارات ووسائل النقل للتنقل من مكان لآخر؛ وخصوصا المسافات القصيرة؛ بالإضافة إلى تراجع استهلاك الوقود خلال هذه الأزمة لعدم استخدام السيارات سواء الخاصة أو الحكومية منها؛ وهذا خفض من فاتورة النفط المنزلية على مستوى العائلة والفاتورة الوطنية على مستوى الدولة؛ علاوة على جفاف حوادث السير إلى درجة الصفر والتي كانت تؤرقنا وتحصد العدد الكبير من احباءنا وكوادرنا البشرية ؛ بينما الإيجابية الخامسة فتركزت على الوزراء وتغيير اسلوب تعاملهم مع المواطنين؛ وأظهرت عيوب بعض الوزراء وبينت لنا من هو الوزير الكفؤ من الوزير الضعيف؛ وأن الوزارة جهد وعمل ميداني حقيقي وليس منصب رفاهية وجاه او تشريف؛ بل اصبح يرتبط بالعمل والأداء وتنفيذ الواجبات الموكل له بكل حرفية ومهنية عالية المستوى لينجو من النقد الإعلامي والمجتمعي؛ وبالنسبة للايجابية السادسة فهي موجهة للسياحة؛ فعلى وزارة السياحة انتهاز فرصة توقف وتعطل السياحة الخارجية أمام الأردنيين بسبب إغلاق الحدود لتشجيع السياحة الداخلية وتنميتها وتطويرها نحو الأفضل بما يحد من هدر العملات الصعبة للخارج من قبل السياح الأردنيين؛ أما الإيجابية السابعة فكانت من نصيب القطاع الصناعي الذي طور أدواته الصناعية وبالأخص في مجال صناعة الأغذية والدواء والأجهزة والأدوات الطبية كالكمامات والملابس الطبية الوقائية للوباء وأدوات التعقيم؛ فارتفعت حجم وكمية الإنتاج إلى أرقام قياسية مقارنة مع ما كان ينتج قبل الأزمة؛ وهذا النمو الإنتاجي والصناعي كان بفضل التوجيهات الملكية السامية بالتركيز على هذا الجانب؛ بحيث أصبح الأردن قادر على التصدير إلى دول العالم وتلبية احتياجاتهم الضرورية من أدوات السلامة العامة في ظل الأزمة على الرغم أن معظم دول العالم أوقفت صادراتها من هذه المواد والأدوات؛ كما استطاع الأردن أن ينشط ويشجع الحركة الزراعية لتبقى عجلة الإقتصاد الزراعي عاملة دون توقف بما يحفظ حقوق المزارعين؛ ويوفر الأمن الغذائي للأردن. لقد أثبتت
الدولة على قدرتها على مواجهة الأزمات والتي قد تستمر لمدة أطول من خلال تصحيح لكثير من الأخطاء في الإسراف غير المبرر من قبل الوزراء والنواب والاعيان ومن على مستواهم ولكافة مؤسسات الدولة؛ وسيؤدي هذا الصعود الإضطراري إلى تصحيح عدد من الأخطاء الإدارية والمالية؛
وشكل هذا الصعود الإضطراري الاعتماد على الذات في كل شيء بدل من الإعتماد على الآخرين كما تعودنا دائما؛ وقد نجحنا بحمد الله وفضله؛ وبهمة جلالة الملك عبدالله الثاني حفظه الله ورعاه ومساندة الشعب الأردني له ووقوفهم خلف قيادته ودعم قراراته.
لذلك يجب إعادة النظر في مختلف السياسات الناظمة للدولة الأردنية وأخذ العبر والدروس من هذه الأزمة وتحديد أوجه القصور والنواقص لتصويبها في المستقبل بعد انتهاء الأزمة وخصوصا في مجال الضمانات والتأمينات الإجتماعية؛ كما كشفت الأزمة أن لدينا كفاءات إقتصادية قادرة على إدارة دفة الإقتصاد وتوجيهه والسير به نحو بر الأمان والنموذج على ذلك محافظ البنك المركزي؛ إن نجاح
الصعود الإضطراري جاء من خلال تعاضد كافة أركان الدولة كاملة التي عملت بروح الفريق الواحد وعلى مدار الساعة دون كلل أو ملل؛ فهذه الازمة تمكنت من شحن الارادة الوطنية للبدء من جديد في مرحلة عنوانها الإنتاج والاعتماد على الذات. ولن تستطيع قوى الشد العكسي من ايقاف هذه الارادة التي توحدت فيها ارادة الوطن قيادة وشعبا. ولن يعود الاردن دولة معتمدة على الغير كما كان في السابق؛ حفظ الله الأردن وقيادته وشعبه من كل مكروه.