21-04-2020 02:42 PM
بقلم : هبة احمد الحجاج
وها هي الأيام مرتْ كالقطارِ السريع الذي لا ينتظر أحد . والوقت قَطعنا كالسيفِ لتدور عجلةُ الحياة من جديدِ وتأتي إلينا محطةٌ جديدة كم تشوقنا إليها ، وإلى لياليها وجمّعَتِها الجميلة ، هذه المحطة بالذاتِ مهما دارت عجلةُ الحياة وسابق قطارُ الزمن الريح، لا نمل ولا نكل بل على العكسِ تمامًا ، ننتظرها بفارغِ الصبر .
محطتنا على وشكِ، القطار أن يوقفَ سكتهُ عندها، شمسها أصبحت بازغة ، وها هي أيامٌ قليلة تفصلنا عن شهرِ المحبة ، شهر التسامح ، شهر اللّمة الحلوة ، شهر الطاعات والعبادات ، شهر الصبر ، شهر التراويح والكثير والكثير من العاداتِ والطقوسِ التي اعتدنا عليها، وأصبحتْ جزءًا لا يتجزءُ من شهرِ رمضان الفضيل .
عدتَ يا شهرَ المحبة ، عدتَ أيها الشهرُ الفضيلُ، ولكن بأي حال عدت ؟!
بعد عدةِ أيام ستصلُ إلينا ونستقبلُ شهركَ الفضيل ، كنَا في مثلِ هذه الأيام ، نتشاركُ نحن وجيرانُنا في الحي، في المنطقة بتزينِ الشوراعِ بفوانيسِ رمضان ، كلٌ منا يقفُ جنبًا إلى جنب ، آخر يقفُ ويعلقُ الزينةَ، والآخر يساعدهُ مبتسمًا فرحًا بقدومِ هذا الشهرِ العظيم ، ونرى الأطفالَ يتراكضون للوصول إلى أعلى منطقةٍ حتى يتمكنوا من رُؤيةِ هلال رمضان ظنًا منهم أنهم سيُشاهدون ويلقونَ عليه تحيتهم الطفولية البريئة .
قبل الإفطار بدقائقِ قليلة ، تبدأ فقرة " تبادل الأطباق"
على مبدأ " رسول الله صلى عليه وسلم " وصى بسابعِ جار ".
فترى كلَ شخص يحملُ طبقًا من إفطارهِ اليوم ويذهبَ به إلى جارهِ ، شعورٌ جميل يُضيف للآخرين إحساس " أحببتُ أن تشاركني إفطارَ اليوم" .
ولا يمكنُ أن ننسى لمتنا الحلوة ، وجمعتنا عند الإفطار ، ونحن ننتظرُ أن يُأذن المغرب " يضرب المدفع " ليعلن لنا عن دخولِ موعدِ الإفطار ، فيلتفتُ الجدُ إلى أحفادهِ وأولاده ويقول بصوتٍ يمتَلأُ بالمحبةِ و الشكرِ والامتنان لله عز وجل " الله لا يقطعها من عاده" ، اللهم بلغنا رمضان لا فاقدين ولا مفقودين " والكل يرفع يده ويقول " آمين ".
وبعد الإفطار نتهيءُ لصلاةِ التراويح ، في رمضانِ لذة التراويح تُمتّعنا، وكثرةُ الركعاتِ تُريحنا، ومزيدُ السّجداتِ يرفعُنا، وطولُ الوقوفِ بين يديّ الله يُنسينا دنيانا ومشاغلنا.
ولكن لنتوقف برهةً أو لحظةً من الزمن ، قلتُ لكَ ، رمضانُ أتى بحلةٍ جديدة ، فالجديدُ ، سيكونُ غيرَ ذاك القديم ، وإلا لماذا سُمي بالجديد ، الجديد : غيرُ الذي كانَ قبله .
أي أن جميعَ العادات التي تعودنا عليها وذُكرت ، قد لن تكون موجودةً في هذا العام .
قد يضيقُ صدركَ بما سأقوله لكَ ، لكن هذا الواقع.
رمضانُ قد أقبلَ بنورهِ وعطره، وجاء بخيرهِ وطُهره، جاء ليُربي في الناسِ قوةَ الإرادة ورباطةَ الجأش، وُيربي فيهم مَلكةَ الصبر، ويُعودهم على احتمالِ الشدائد، والجَلدِ أمامَ العقبات ومصاعب الحياة.
فرمضانُ مدرسةٌ تربوية، يتدربُ بها المسلم المؤمن على تقويةِ الإرادة في الوقوفِ عندَ حدودِ ربه في كلِ شيء، والتسليم لحكمه في كل شيء، وتنفيذ أوامره وشريعته في كل شيء.
اطمئن ” شدة وبتزول إن شاء الله” ويزولُ هذا الفيروس اللّعين، وهذا المرضُ الذي أقصدهُ هو كورونا (كوفيد-19)، هو مرضٌ معدٍ يسببهُ فيروسٌ جديد لم يُكتشف في البشر من قبل.
ويُسبب الفيروس مرض الجهاز التنفسي (مثل الأنفلونزا) المصحوب بأعراضٍ مثل السعالِ والحمى، كما يسبب الالتهاب الرئوي في الحالات الأشد وخامة. ويمكنكَ حمايةُ نفسك بالمواظبةِ على غسلِ اليدين وتحاشي لمسِ الوجه”.
ولا نعلم ، ولكن نصبر أنفسنا بقوله تعالى " عسى أن تكرهوا شيئًا وهو خيرٌ لكم "
فأسأل الله تعالى أن يُبدلَ من أحوالنا، ويقلب من شأننا، حتى يصبحَ يومنا خيراً من أمسنا والله أعلم.