22-04-2020 03:06 PM
بقلم : ربحي شعث
مما لا شك فيه فإن المستمع لكلمة التنميه البشريه يشعر بدغدغه سمعيه , حيث يستصيغ المتلقي هذه الكلمة أو الجملة و لا يشعر أي منا بعقدة في تعريف المصطلح, فكل من إستمع إلى هذه الجمله "الغير مكتمله" حسب رأيي يشعر أنها تبعث على فكرة عملية نمو الإنسان و تطوره و التي هي من أهم عنصر لدورة الحياة.
إن التنميه البشرية ليست بعلم أو مادة علمية أكاديميه أو حتى قانون مفروض , فهي في الأصل خطة عمل بدأت فيها بعض الدول بعد الثورة الصناعيه عندما شعرت أن الأيدي العامله يجب أن تنتقل من فئة "مصروف" إلى فئة " أصل" من أصول و أعمدة الصناعه و الاقتصاد الذي يجب ادخاره. و ببساطة قالت الدول علينا إذن أن نعمل على التنمية البشريه. و لكن مجتمعنا العربي الذي يستورد الأفكار و يطبقها بلا وعي , إستقبل هذه الكلمه اللطيفه و بدأ على قولة إخوتنا المصريين "يعك" من عك يعك عكا.
و لكي نحاول فهم هذه الحملة أو الدعوه للتنمية البشريه فهي مظلة يندرج تحتها علوم و إدارات من شأنها تطوير الذات و تحسين السلوك في إطار مرجعي منظم و ذكي. و هي أيضا دعوه إلى التأمل و التفكر و التدبر الذي من شأنه فهم و إستيعاب النفس و العوامل الخارجيه و هذا ليس جديدا على الأمم فهذه دعوه ربانيه في الأصل .
إذن المشكله تكمن في طريقة إستقبال هذه الخطه و إستغلال الأغلب لتمرير أفكار سطحية و إعتقادات وهميه من شأنها تفتيت المجتمع و التحريض على المبادىء و إتمام مهمة "النصب" المالي و هذا بإختصار.
إن الإنفتاح الذي خلقته شبكات الإتصالات و التواصل أوجدت أرضا خصبه للمجموعات اللادينيه الملحده مثلا من أن تستغل الثغرات الناجمه عن عدم فهم مفهوم " التنميه البشريه" و استخدمته لتمرير أفكارها المشوهه تحت مفردات لا أساس لها في العلوم و لا المنطق مثل "العلم الإيحائي" و " مركز الكون" و " العلاج بالخط الزمني" و " الطاقه و المغناطيس" و غيرها من المفردات التي تعمدوا أن تكون على شكل شعوذه غير مفهومه حتى لا يستطيع المتلقي بأن يستفسر عنها و " تخليه يتوه". و هي في هذا الدور تهدف إلى إستبدال الشرائع و القوانين و التنظيم الروحي و دور القوة العظمى بتلك الخرافات و بعض التحفيز المتهور مثل ( أنا أستطيع .. أنا أستطيع .. أنا أستطيع ) و ( أنت الأقوى .. أنت الأقوى .. أنت الأقوى ) و تحريضه على التحرر من دون قيود و العيش في مجتمع حيواني في شريعة الغاب.
كما أن بعض المنظمات و الجمعيات الغربيه كان لها دور الدعم المالي و اللوجستي لتمرير هذا السم على مجتمعاتنا بهدف تغيير منهجي دأبت بعضهم العمل به ضد أسس و مبادىء المجتمع العربي و حتى الغربي المتحضر . و للأسف فإن كلمة التنمية البشريه كفيلة لأن تكون الغطاء الحق الذي أريد منه الباطل.
كما امتهن من لا مهنة و لا مهنيه له بأن يقدم نفسه المنقذ الروحاني لبعض الشباب و الشابات و استغلالهم من خلال تقديم حلقات تدريبيه بأسعار خياليه لا منطقيه مع طبيعة المحتوى و الهدف منه. فمتوسط الحلقة يقارب 500 دولار تشاهد فيها من يصرخ بأنك ستنجح إن أردت رغما عن كل الظروف فتخرج من الحلقه و لم تنجح لأن المدرب ببساطه لم يقل لك كيف تنجح.
إن ما يسمى التنمية البشريه لم تنجح حسب تطبيقنا السطحي لها في بناء المجتمع أو أي علم بل كانت محفزا موضعيا لا يلبث إلا و يدخل الشخص في حالة من الإكتئاب و الشعور بالفشل.
إن البشرية تنمو من خلال التجارب و تصحيح الأخطاء و التفكر الذي ينتج عنه تمهيد سكة حياه ضمن قواعد يؤمن بها الشخص أيا كانت. التمنية البشريه هي في الأصل معرفة الذات و تطويرها و تعلم مهارات حياتيه منها تجعلنا قادرين على أن نتواصل مع العالم الخارجي و عالمنا الداخلي في أمان.
و إن علم النفس , علم الإجتماع , علم الإنسان و علم الإدارة و غيرها من العلوم المرتبطه كفيله من أن تقوم مقام هذه الدعوه للتنميه البشريه التي تحاول إستغلال الشباب و الضحك عليهم. و التي أيضا تحرض على العقل و الأخلاق و الدين.
نحن لا تحتاج إلى تحفيز فقط ,بل نحتاج إلى ملهمين قاده و معلمين , ولا نحتاج إلى من يقول لنا " إغمض عينك وسر إلى الأمام" بل نحتاج من يقول لنا " إفتح عينك و فكّر و خطّط و تأمل و قدّر الموقف ثم قرّر إما السير للأمام أو لا ضير في خطوة إلى الخلف تجعل منك أقوى.