26-04-2020 12:28 PM
بقلم : بسام الكساسبة
في الوقت الذي تواجه الجهات الرسمية وباء الكورونا نظراً لخطورته على صحة وحياة الناس، فهناك ما هو أخطر من هذا الوباء، وهو وباء الأزمات المتعددة التي تفتك بالاقتصاد الوطني، وقد نشأت وتعمقت منذ ما قبل ظهور وباء الكورونا، إذ عاني وما يزال الاقتصاد الأردني وبشدة على مدار العقدين الأخيرين من أزمات خطيرة وعديدة منها: العجز التجاري، وعجز الموازنة، الدين العام الخارجي والداخلي، البطالة المرتفعة، تفشي الفقر، تدني قيمة الصادرات الوطنية، الترهل الإداري، سوء إدارة موارد الدولة البشرية والمالية، أزمة الطاقة (بما فيها أزمة استيراد النفط ومشتقاته وأزمة تسعير هذه المشتقات وأزمة إدارة قطاع الكهرباء)، والأخطر من ذلك أزمة تفشي الفساد المالي والإداري والمؤسسي في الكثير من وزارات ومؤسسات وهيئات الدولة وفي الكثير من الشركات المساهمة العامة، هذا الفساد الذي يعتبر الحاضنة الرئيسية لنشوء الأزمات السابقة، التي أهملت الحكومات الأردنية المتعاقبة إيجاد حلول صحيحة لها، إلى أن بلغت مستويات خطيرة أصبحت تهدد استقرار الدولة الأردنية التي أصبحت من أفقر دول العالم، وقد ظهر مؤخراً وباء الكورونا بتداعياته الخطيرة، والذي بدوره أظهر بكل وضوح مدى هشاشة وضعف الاقتصاد الوطني، هذا الضعف الذي تستر عليه المسؤولون كثيرا خلال العقدين الأخيرين من أجل استمررية احتفاظهم بمصالحهم وامتيازاتهم الوظيفية والمالية، وعدم ظهورهم بمظهر المسؤولين الفاشلين، كما جاء هذه الوباء ليفاقم ويعمق أزمات الاقتصاد الأردني.
لقد أدير اقتصادنا الوطني خلال العقدين الأخيرين بطريقة فاشلة وفاسدة، نتيجة أولاً لسوء إختيار كبار المسؤولين وعدم قدرتههم على إدارة شؤون الدولة الاقتصادية بشكل سليم ونزيه، وثانياً بالرغم أن الجهات الرسمية وشبه الرسمية المعنية بادارة الشؤون الاقتصادية تعتبر المسؤولة عن نشوء أزمات الاقتصاد الوطني ، مع ذلك فهي من تتولى وضع الحلول والمبادرات لحل أزمات الاقتصاد الوطني، وطالما أنها هي من تسببت على مدار العقدين الاخيرين بنشوء هذه الازمات وتراكمها عاماً بعد عام وعلى امتداد فترة عمل الحكومات المتعاقبة ومنها هذه الحكومة، فتعتبر هذه الجهات غير مؤهلة لإدارة الاقتصاد الوطني، وغير مؤهلة لوضع حلول ومبادرات لحل أزماته، انطلاقا من قاعدة "فاقد الشيء لا يعطيه"، لذلك تستوجب ظروف الأردن الاقتصادية الخطيرة والحرجة استحداث مجلس اعلى للإنقاذ الاقتصادي.
ولما إتخذت الجهات الرسمية إجراءات استثنائية تحت مظلة قانون الطواريء لمواجهة وباء الكورونا الذي يهدد حياة الناس بالخطر، فان الظروف الاقتصادية الخطيرة التي تمر بها الدولة الأردنية منذ عدة عقود، والتي تهدد بشكل مباشر وغير مباشر حياة ملايين الأردنيين بمختلف المخاطر، كتدهور مستوى معيشتهم، وتفشي البطالة والفقر في أوساطهم بشكل مريع، إضافة إلى الأزمات الهيكلية التي تعصف بالاقتصاد الوطني، تتطلب من قيادة الدولة الأردنية، وتحديداً من قبل جلالة الملك عبدالله الثاني المعظم، مواجهة هذه المخاطر الاقتصدية بإجراءات استثنائية، من خلال تشكيل مجلس اعلى للإنقاذ الاقتصادي، بصلاحيات استثنائية موسعة، يحيث يتألف من شخصيات اقتصادية وطنية معروف عنها الخبرة العميقة في المجالات الاقتصادية والكفاءة والنزاهة والإنتماء الصادق للوطن، ومن مهام هذا المجلس وضع سياسات اقتصادية جديدة في المجالات النقدية، المصرفية، المالية، التجارية، الصناعية، الاستثمارية، النقل، التشغيل، والطاقة، والإشراف على جميع الجهات المعنية بشكل مباشر وغير مباشر بإدارة الاقتصاد الوطني، وأن تعمل هذه الجهات الرسمية ومسؤوليها تحت إشرافه المباشر، وأن تنفذ بلا تردد أو تأخير كل ما يصدره لها من قرارات وأوامر وتوجيهات، وأن يكون من صلاحياته إعادة تحديث وتطوير التشريعات والأنظمة الاقتصادية التي تعمل بموجبها الجهات الرسمية المعنية بشكل مباشر وغير مباشر بالنشاط الاقتصادي، كذلك فتح ملفات الفساد الكبرى، وإنشاء لجان تحقيق وطنية أو محاكم مدنية خاصة لملاحقة الفاسدين داخل الأردن وخارجه والتحقيق معهم وإصدار الأحكام بحقهم واستعادة ما نهبوه من أموال، وأن يكون من صلاحياته أيضاً إعادة تشكيل المراكز القيادية في الوزارات والمؤسسات والدوائر والهيئات والسلطات المعنية بادارة شؤون الدولة الاقتصادية، بما فيه التنسيب بتعيين وزراء المالية، والتخطيط،، العمل، الطاقة والثروة المعدنية، محافظ البنك المركزي ، وله صلاحية تعيين مسؤولي دائرة ضريبة الدخل والمبيعات، دائرة الجمارك، دائرة الموازنة العامة، هيئة الأوراق المالية، هيئة الاستثمار، شركة المناطق التنموية والمناطق الحرة ، هيئة تنظيم قطاع الطاقة والمعادن، سلطة إقيلم العقبة ومؤسسة المواني وشركة تطوير العقبة، صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي، المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي، الشركات الحكومية كشركة الكهرباء الوطنية، شركات توليد وتوزيع الكهرباء، وغيرها.
ومن متطلبات عمله ان يكون جهة مستقلة مالياً وإدارياً عن رئاسة الوزراء وعن أي جهة رسمية أخرى، وأن يعمل بموجب تشريع خاص به ، يعطى سنه ووضعه موضع التنفيذ صفة الاستعجال القصوي، وإذا ما تطلب عمل المجلس إدخال تعديلات على الدستور، فلتتم هذه التعديلات بالسرعة الممكنة ، وأن يبتعد المجلس كل البعد في تعيين أعضاء هيئة إدارته وكوادره الوظيفية عن منهجية الحكومة بانتدابهم من الوزارات والدوائر الرسمية والجهات شبه الرسمية ، هذا النهج الفاشل الذي ساهم بافشال العمل الاقتصادي على المستوى الوطني، بل أن ينتقيهم بإسلوبه الخاص ككفاءات ومبدعين وموهوبين في مجال العمل الاقتصادي وكل ما يتعلق بأعماله، ومن أجل منع الإزدواحية بين عمل المجلس وعمل جهات رسمية أخرى، فإن ذلك يستوجب إلغاء المجلس الاستشاري الاقتصادي والاجتماعي، ومجلس السياسات الاقتصادية ، والدائرة الاقتصادية في الديوان الملكي، هذه الجهات التي ثبت بالوجه القطعي فشلها في تقديم ما يفيد الاقتصاد الوطني، وأن لا تنظر بعض الجهات الرسمية ومنها رئاسة الوزراء، والوزارات والمؤسسات والهيئات والدوائر الرسمية وشبه الرسمية للمجلس كمنافس لها في أعمالها وإمتيازاتها ومصالح كبار مسؤوليها، بل كجهة رسمية إنقاذية، هدفه خدمة مصالح الدولة العليا التي هي فوق مصالح أية جهة رسمية أخرى.