07-05-2020 03:43 PM
بقلم : د. غيث ناصر العيطان
لقد غير الفيروس التاجي الطريقة التي نعيش ونعمل بها بين عشية وضحاها. يكافح المحللون لمواكبة التأثير على الاقتصادات والقطاعات والشركات. ما نعرفه بالعفل هو أن هذه الأزمة زادت التسارع بالفعل نحو الرقمنة. من الاجتماعات الافتراضية إلى المصانع المؤتمتة والطلبات عبر الإنترنت لتسليم الطائرات بدون طيار، تتزايد أهمية الخدمات الرقمية، حيث تتغلغل في عدد متزايد من القطاعات والأنشطة. حيث ان الشركات الرشيقة رقميا تتكيف مع الأزمة الجارية بنجاح أكبر، والشركات الآخر تكمن مهارتها في الاستجابة بسرعة للتحديات التي تواجه نماذج أعمالهم. ان دعم هذه القدرة التنافسية الرقمية أمرًا أساسيًا بالنسبة للحكومات التي تتطلع إلى دفع الانتعاش الاقتصادي بعد كوفيد-19. إحدى الطرق هي من خلال الاستثمار الأجنبي المباشر في الاقتصاد الرقمي، او الاستثمار الأجنبي المباشر الرقمي. هناك أدلة مهمة على أن الاستثمار الأجنبي المباشر يمكن أن يجلب التكنولوجيا والدراية الفنية والوظائف والنمو الاقتصادي. وكثيراً ما يكون الاستثمار الأجنبي المباشر أيضاً أكبر مصدر تمويل للاقتصادات النامية. تمامًا مثل الشركات التقليدية، تستثمر الشركات الرقمية في الخارج لتكون قريبة من العملاء، وتصل إلى المعرفة المحلية، وتفتح أسواقًا جديدة والمزيد من الأنشطة الاقتصادية.
فالاستثمار الأجنبي المباشر مفيدا بالنسبة للدول المضيفة واقتصاداتها على المدى القريب، حيث يحقق طفرة اقتصادية سريعة في جميع جوانب الاقتصاد في الدول المضيفة، ويؤثر بشكل إيجابي على تشجيع المواطنين على الاستثمار وتقليل الفجوة بين معدلات الادخار والاستثمار وهي المشكلة التي تعاني منها الدول النامية. وان من اهم مزايا الاستثمار الأجنبي المباشر في جلب التقنيات التكنولوجية الحديثة والتي بدورها تؤدي الى تحسين مستوى وجودة الإنتاج الى المقاييس العالمية، وتنمية مهارات وكفاءات الموارد البشرية وتطوير أساليب وطرق الإدارة في الدول النامية، وخلق وظائف لحاجتهم الى عاملين لتشغيل المشروعات والاستثمارات الجديدة وزيادة راس مال السوقي.
ولقد خطت الأردن خطوات استباقية لجذب الاستثمار الأجنبي الرقمي من خلال هيئة تشجيع الاستثمار ممثلة برئيسها الدكتور خالد الوزني من خلال الإصلاحات والتوجه الى رقمنة الخدمات وتطوير استراتيجية ترويج الاستثمار وإطلاق حزم من الفرص الاستثمارية الواعدة، وتحديد الهوية الاستثمارية من حيث المناطق والقطاعات، ودعم الصادرات المحلية من خلال إقامة المعارض وفتح أسواق جديدة. وأن الهيئة بدأت بخطوات عملية فيما يتعلق بإعادة هندسة الإجراءات بالتعاون مع المؤسسات المعنية بالاستثمار بهدف تسهيل وتبسيط الإجراءات على المستثمرين. حيث ان رسالة هيئة الاستثمار تقوم على ضمان بيئة استثمارية آمنة مستقرة، وتوفير منصة خدمات موحدة متطورة وذكية، ورعاية شاملة ودائمة للاستثمار، إضافة إلى تقديم حزم متنوعة من الفرص الاستثمارية الواعدة والمجدية. حيث يمتلك الأردن 12 قطاعا متنوعا في عدة محافظات وكذلك ميزات تنافسية جاذبة للاستثمار، إضافة إلى امتلاكه موارد بشرية فاعلة ومؤهلة وقادرة على تحقيق متطلبات المستثمرين. ان الهيئة بدأت بالتشارك مع كافة الجهات بتحسين بيئة الاستثمار، من حيث تأييد السياسات الداعمة للاستثمار من خلال البدء بمراجعة القوانين والأنظمة النافذة وتطوير مدى فعالية تطبيق النافذة الاستثمارية إضافة إلى تحسين بيئة الأعمال دوليا وهذا ما عكسته التقارير الدولية بتحسن مرتبة الأردن بمؤشر البدء بالنشاط التجاري ليصل إلى مرتبة 58 على العالم في عام 2020.
فإن جذب الاستثمار الأجنبي المباشر في الاقتصاد الرقمي يتطلب سياسات ولوائح مختلفة لأن الشركات الرقمية لديها نماذج أعمال تختلف عن الشركات التقليدية القائمة على تقدم منتجات وخدمات لعملائها وجهاً لوجه في مكتب أو متجر يملكه أو يستأجره المشروع. تعتمد الشركات الرقمية بشكل كبير على البيانات والتكنولوجيا، وغالبًا ما تتضمن اقتصاديات المنصات وتزيد من الأصول غير التقليدية. فعلى سبيل المثال تسعى مبادرة الاستثمار الأجنبي المباشر الرقمية الجديدة للمنتدى الاقتصادي العالمي إلى تحديد السياسات واللوائح والإجراءات التي يمكن أن تعتمدها الحكومات لجذب مثل هذا الاستثمار.
وإن من أهم ما يمكننا به أن نسيطر على آثار هذه الثورة الرقمية هو بخطوات مطلوبة من قبل الحكومات والمصارف المركزية في الدول للسيطرة على أي استخدامات الشبكة العنكبوتية، وتوجيهها للمسار الصحيح لاستغلال الفرص القادمة بشكل أمثل ولنحمي هذه البيانات من الجريمة والاستغلال، وسن التشريعات والقوانين وتعديلها وبشكل مستمر بحيث توائم التطور الرقمي والمعرفي، هذه القوانين التشريعية تساعد على تنظيم عملية استخدام مثل هذه الأنظمة بشكل صحيح ومسؤول، وتحفظ الحقوق للعملاء والشركات والمؤسسات، بما لا يضر بالمعلومات الموجودة لديها. اللحاق بركب التطور في مجال المنصات والبرامج الإلكترونية والعملات الرقمية. فعلى سبيل المثال جاء قانون الامن السيبراني لسنة 2019 في الأردن، الى بناء منظومة فعالة على المستوى الوطني وتطويرها وتنظميها لحماية المملكة من تهديدات الفضاء السيبراني، ومواجهتها بكفاءة وفاعلية بما يضمن استدامة العمل والحفاظ على الامن الوطني وسلامة الافراد والممتلكات والمعلومات والاستثمارات الرقمية.
وهنا أصبحت تلوح العديد من الفرص للاستغلال الأمثل للتطور الرقمي بحيث نستفيد من هذه القفزة في مجال التجارة والاستثمار، وختاماً نقول إن التكلفة البسيطة للاستثمار في الاقتصاد الرقمي مقارنةً بالاقتصادات التقليدية التي تعتمد على وجود مخازن وخطوط إنتاج وعمالة كبيرة وشحن غير ذلك جعلت من الاقتصاد الرقمي أكثر جاذبية للاستثمار وما زالت الفرص تلوح في الأفق.
د. غيث ناصر العيطان
الأستاذ المشارك في الاقتصاد والمالية/ جامعة آل البيت