حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الخميس ,28 نوفمبر, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 12378

حقوق الرجل

حقوق الرجل

حقوق الرجل

24-02-2008 04:00 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم :

لم أتصور أبدا أن يأتي يوم أكتب فيه عن حقوق الرجل وأطالب فيه بالعدالة الاجتماعية التي تكفل له حقه الشرعي (وأؤكد هنا على كلمة شرعي) وتصون كرامته وتحفظ له هيبته ومكانته الاجنماعية والأسربة. إلا أن بعض ما يدور هنا وهناك على مسرح الحياة، وبعض ما نقرأه في المجلات والكتب وما نشاهده على شاشات التلفاز، وحكابات تُروى وقصص تُحكى والكثير من المشاهد الشاذة المؤلمة التي تفاجئنا بعنفها وغرابتها وجنونها، يدفعنا اليوم لا للمناداة بحقوق الرجل أو المطالبة بكبح جماح حرية المرأة، بل يرغمنا على تمزيق الضباب الكثيف واللبس المُضلل المعشش في أذهان بعضهم وبعضهن حول مفاهيم سامية كالحرية والعدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات.

      عندما تتحدث المرأة وهي الأم والزوجة والأخت والابنة إلى شريكها في المؤسسة الحياتية الرجل وهو والدها وزوجها وأخوها وابنها، لابد أن تعي تماما أن مشروع الحياة المشتركة بين هذين المخلوقين مشروع أرفع وأسمى وأكبر وأعمق وأعقد من مجرد مسألة المطالبة بحرية فوضوية هوجاء تلج من خلالها إلى عالم الضياع والضباع والاستغلال بلا رقيب ولا ناصح ولا يد تمسك بيدها لتجتاز معها الحياة بصعوباتها وتفاصيلها وأمواجها العاتية وضوضائها وفتنها.     

      لماذا إذا ترسّب في أذهاننا أن المطالبة بحقوق المرأة أو الرجل يعني بالضرورة القاطعة المطالبة بقهر أحدهما للآخر، وتكبيله بأصفاد العبودية؟

      لماذا تم استغلال شعار "المساواة بين الطرفين" أسوء استغلال من قبل بنات حواء حتى بتنا نحن أنفسنا ننادي بوجوب الحفاظ على حقوق الرجل؟

      لماذا تشكلت في السنوات الأخيرة برامج وجمعيات رجالية تدافع عن آدم وحقوقه مثل جمعية "المستضعفون في الأرض" وجمعية "سي السيد" وجمعية "الحرية لأصدقاء الرجل" ؟

      ولماذا تحلم الفتاة والمرأة العربية الآن بأن تحصل على جواز سفر أجنبي تتمكن من خلاله من قمع وتعذيب وإهانة الرجل باسم حقوقها المزيّفة المزعومة؟

      نعم لقد عانينا لسنوات وسنوات من مجتمع مذكّر يزدري المرأة ويُتفّه تجربتها الإنسانية، ويحقّر فكرها وإنتاجها وعلمها وعملها ويرفض الاعتراف بها ككيان مستقل ووجود قائم بذاته، ويتجاهل مثابرتها وكدها ودورها الحيوي والفاعل والأساسي والمحوري في بناء الأسرة وتطور المجتمع، ولكنّا نغرق هنا في غياهب ماضي تلاشي ولم يعد موجودا ولا حتى ممكنا. لقد حصلت المرأة اليوم على كافة حقوقها الإنسانية والشرعية والدستورية وتعلمت وحصلت على أعلى الدرجات العلمية، وتوظفت فارتقت في السلم الوظيفي إلى أعلى المراتب وتقلّدت أرفع المناصب وشاركت أخاها الرجل في العمل وفي الإنتاج الادبي والفكري والثقافي وجلست معه على الكراسي الحكومية ونافسته في المراكز الوزارية وعلى المقاعد البرلمانية وحظيت على الدعم الحكومي والاجتماعي والأسري بشكل غير مسبوق وعلى كافة المستويات.

      لقد انهدّت قصور الحرملك وشُيّع جثمان الحريم إلى مقبرة اللاعودة، وقُّلمت شوارب ومخالب "سي السيد" وتعملقت حواء من مصباح علاء الدين المعاصر المنفتح لتؤنّث الحياة وتعيد صياغة المفاهيم بطريقتها التي لا تخلو من القصور أحيانا ومن رغبتها المبالغ فيها في الانتقام والثورة أحيانا أخرى. وأنا حين أتوجه إلى أختي المرأة بالنصيحة فهذا للأنني حريصة على أن نجني ثمارا جهدنا في بذرها والاعتناء بها، ولأن كثيرا من نسائنا يحاولن تقمص دور الرجل فكانت النتيجة شخصية مشوّشة ومشوّهة وممسوخة كقطعة لبان ليكت حت استهلكت وفقدت لونها وشكلها وقوامها وطعمها ونكهتها اللذيذة الخاصة بها، ولأن كثيرا من نسائنا يحاولن عبثا التمرد على حقيقة تكوينهن البيولوجي كنساء ويرفضن الاعتراف بان مبدأ المساواة الاجتماعية ومسألة العدالة الإنسانية ليست المكوك الفضائي الذي سيطرن على متنه إلى فضاء الاسترجال والتحرر والانفلات، وأيضا لأن الكثير الكثير من النساء العربيات تحديدا أسأن كثيرا لأنفسهن قبل أن يسيئوا للرجل وللمجتمع ككل كنتيجة طبيعية وحتمية لطفولة تجربة الحرية والاستقلالية لديهن كالطفل الذي يتعثر في خطواته الأولى، هذا من جهة ومن جهة أخرى لأن المرأة العربية ما زالت ممزقة بين قراءة الفنجان وعلم الذرة النووية تتأرجح على ضفيرة جدتها وهي تمسك بمبضع الجراحة فتفشل -أحيانا- من تحقيق التوازن المطلوب والهدف المنشود ألا وهو ميلاد امرأة مثقفة وذكية وواعية ومتعلمة ومطّلعة، وجريئة في اتخاذ قراراتها وقوية في عزيمتها وواثقة من إمكانية تحقيق أهدافها ومثابرة ومجتهدة، دون أن يحرمها هذا كله من نعمة الله عليها بالأنوثة والجمال والحياء والهدوء وعفة النفس وحسن الخلق وخفة الظل والحنان والعطاء والحب.

      المرأة والرجل عنصران متكاملان وطرفان شريكان يطالب كل منهما الآخر بمشاركته في وجوده الإنساني لممارسة حياتنا الإنسانية بوعي أعمق وبشكل أفضل وبقالب أقدر على العطاء والحب والتسامح والتفاهم والتآخي. هي الرغبة في نيل شرف تحمل مسؤولية الحياة معا، هي ضبط إيقاع المجتمع بصورة متناغمة وهادئة وجميلة، هي المرحلة القادمة التي سنخوضها معا يدا بيد دون أن نحشر أنف التفاصيل الساذجة وبقايا موروث مشوّه عن ضغف المرأة وهوانها وعجزها أمام جبروت الرجل وظلمه واستبداده.

      وأخيرا أقول للممرأة أننا لسنا في حرب داحس والغبراء وأنك حين تنوين وترغبين وتريدين وتصرّين فأنت قادرة على تمزيق شرانق العجز والوهم والغبن التي لففتي بها نفسك عقودا وعقودا، عليك أولا الاعتراف أن الرجل لن يمنحك يوما عصفور الحرية والاستقلالية الذهبي وأنت معتكفة في صومعة الوهم.

        وأقول للرجل أنك كنت وما زلت وستبقى الوالد الحاني والمعلم الحكيم والأخ الغيور والزوج والحبيب والصديق والإبن، وربّان السفينة التي سنقودها معا إلى شواطئ الحب والخير والعطاء والدفء.

 

بقلم: د. آية عبد الله الأسمر  








طباعة
  • المشاهدات: 12378
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
24-02-2008 04:00 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
برأيك.. هل اقتربت "إسرائيل" ولبنان من التوصل لاتفاق إنهاء الحرب؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم