16-05-2020 12:22 PM
بقلم : د. محمود أبو فروة الرجبي
هَلْ صَحِيح أننا فِي وطننا العربي غارقون بالتناقض إلى حد التناغم فِي التناقض؟ لنرَ
الجَمِيع فِي عالَمِنا العربي يلعنون الطائفية، ويشتمونها لِيْل نَهَار والغالبية مِنْهُم تمارسها بأسوأ أشكالها.
الكل فِي الوطن العربي يهاجمون الواسطة، ويعتبرونها أحد أهم أسباب التخلف، وتهميش الـمُبْدعِينَ، والمتميزين، وَمَع ذلِكَ فالغالبية العظمى تدمن عَلَيْهَا.
غالبية العرب يتحدثون عَن حقوق المرأة، وينادون بِهَا، وهم أنفسهم –فِي الغالب- يقمعون المرأة، ويأكلون حُقُوقها، ويحتقرونها بِشَكْل أوْ بآخر.
غالبية الأمة العَرَبية متدينون، ويتحدثون لِيْل نَهَار عَن أخلاق الدين، والآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، وجزء مِنْهُم يظلمون الآخَرِينَ، ويأكلون حقوقهم، وَقَدْ تستغرب عِنْدَمَا ترى شخصًا يتنافس مَع الآخَرِينَ لِيَكُونَ فِي الصَّفّ الأول فِي صلاة الجماعة، وَعِنْدَمَا يخرج من المسجد قَدْ يَحْصل عَلَى بُطُولة العالم بالظلم، وآخر يتباكى عَلَى منع الصلاة فِي المساجد، ولا يتباكى عَلَى سرقة مال أخته فِي الميراث، أوْ ظلم مُوَظَّف أقل مِنْهُ مرتبة لأنه رفَّعَ بدلًا مِنْهُ مُوظفًا من عشيرته، أوْ طائفته، أوْ منطقته، أوْ ممن لَهُ مَعه مَصَالِح مشتركة.
الحزبيون العرب ديمقراطيون حَتْى النخاع، وينتقدون ديكتاتورية الحكام، وَلَكِن بَعْضَهُم فِي دواخلهم أكثر ديكتاتورية من أكبر ديكتاتور العالم، وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يحصلوا عَلَى الفُرْصَة الَّتِي سيمارسون فِيهِا ديكتاتوريتهم عَلَى الشعوب، وَمَع ذلِكَ يرفضون الآخر، ويعتقدون أن من يخالفهم متخلف، ورجعي، وهم تقدميون، رَغْم أن تخلفهم يزكم الأنوف بروائحه العفنة.
بَعْض العرب يمارسون الرذيلة، وَعِنْدَمَا يشيع عَن شَخْص ما أنه يمارسها يلعنونه بالعلن، وَقَدْ يحسدونه بالسِّرّ، وإذا تسربت صُورة أوْ مَشْهَد لشخصين يمارسانها يَقِف البعض خطيبًا بِالنَّاسِ يدعو إلى العفة، والطهارة، وَقَدْ يصاب بالجلطة وهُوَ يتباكى عَلَى الأخلاق المنهارة، والقيم المهددة.
يصنف العرب التهميش فِي خانة الجرائم العظمى، وَمَع ذلِكَ فإن غالبيتهم بارعون فِي التهميشن وَلَدَيهم قُدْرَة عَجيبَة عَلَى تقنينه، وابتكار المبررات لَهُ، وغالبية العرب تعيش فِي ظل الأقلية المضطهدَة (بفتح الدال) والأغلبية القاهرة، ودائمًا هُنَاكَ سَبَب وطني عميق لِذَلِكَ، وَمَع كل تغيير عميق يتحول المقهور إلى قاهر، والقاهر إلى مقهور، ولا تتوقف دوامة الظلم.
بَعْض العرب يجترحون المعجزات فِي التناقض، وآخرون يُمَارِسُونَ حياتهم برقي وشفافية مثلهم مثل الشعوب الـمُخْتَلِفَة، وآخرون يَقُوُمُونَ بأعمال يُفتخر بِهَا، ويجعلونك ترفع قبعتك احْتِرامًا لأخلاقهم العالية، وَلَكِن التناقض يعد أحد أهم أسباب الجلطات لكل من يشغل عقله فِي الوطن العربي.
هَذِهِ هِيَ الْحَياة مليئة بالتناقض، والجمال إلى دَرَجَة البشاعة، والتناقض إلى دَرَجَة التناغم.