18-05-2020 04:54 PM
بقلم : د. محمود أبو فروة الرجبي
الـمَطْلُوب من الخطاب الديني فِي هَذِهِ الأيام التوقف عَن التباكي، والحزن، وانتقاد وقف الصلوات فِي المساجد، وعزو أسباب انتشار المرض إلى معطيات غير عِلْمِية، وجلد الذات، وحرف بوصلة البَحْث عَن المرض الحقيقي كَيْ نساعد النَّاس عَلَى التفكير بِشَكْل منطقي، فالعلاج دائمًا يبدأ بالقدرة عَلَى تَحْدِيد المرض بدقة، وبغير ذلِكَ نبقى ندور فِي حَلَقَة مفرغة، ونصل إلى أدوية تزيد المرض اتسَاعًا، وَشِدَّة.
لاحظنا من خِلال تحليل بَعْض خطابات رجال الدين خِلال أزمة كورونا – نَحْنُ نَقُول البَعْض لأنَّ البَعْض الآخر من علماء الدين تعامل مَع الـمَوْضُوع بخطاب أقرب إلى العقلانية- أن مضمون ما يقولونه يعزز الجهل عِنْدَ النَّاس، ويجعلهم يلجأون إلى التباكي بدلًا من التفكير المنطقي بالمشكلات لِلوُصُولِ إلى الحُلُوْل الناجعة.
تمنيت أن يركز علماء الدين فِي هَذِهِ الجائحة عَلَى أسباب عدم تقدمنا العلمي مثل الآخَرِينَ، وَكانَ يُمْكِنُ التباكي مثلًا عَلَى خلو قائِمَة الدُّوَل وَالشَّرِكَات الَّتِي تسعى إلى تصنيع لقاح للفيروس من أي شَرِكَة عَرَبِيَّة وإسلامية، وأن ينتقدوا عدم إيماننا بالعلم، والدليل أن دولنا بكل ثرواتها لا تَسْتَطِيع وضع ميزانية لبحث علمي ينقذنا من المرض.
نعرف جَيِّدًا أن إنتاج مثل هَذَا اللقاح يَحْتاجُ إلى أموال طائلة قَدْ تصل إلى مليار دولار، ولا يَكْفِي وُجُود عشرات الآلاف من العُلَمَاء المتخصصين الأكفاء فِي الوطن العربي لإنتاج اللقاح دونَ هَذِه الأموال، وَلَكِنَّنَا نعرف أيضًا أن توفير التمويل ليْسَ مشكلتنا فِي هَذَا الجانب – مَع احترامي لأصحاب الآراء الأخرى- الـمُشْكِلَة الحقيقية حسب اعتقادي هِيَ الإيمان بالعلم، وَالبَحْث العلمي، لأنَّ هُنَاكَ دولاً عديدة لَمْ تكن تمتلك أي موارد، وخرجت من الحرب العَالَمِيَّة مدمرة، وَمَع ذلِكَ وصلت خِلال سنوات قليلة إلى القمة، وجزء كَبِير من نجاحها إيمانها بالبحث العلمي وإنفاقها عَلَيْهِ، فَمَنْ يؤمن بالعلم يوفر لَهُ الـمَال، ومِن يوفر الـمَال للعلم، فالعلم يرجعه لَهُ أضعافًا مضاعفة.
مُشْكِلَة بَعْض علماء الدين أنهم لا يُدخلون العلم، وَالبَحْث العلمي فِي كلامهم، وَلَوْ حَصَلَ ذلِكَ، لأصبح هَذَا الأمر هاجسًا عِنْدَ مريدي هَؤلاء العُلَمَاء – وهم كثر-، وَعِنْدَمَا يُصبح الأمر هاجسًا، تَبَدَأ الأمور تتغير بِشَكْل إيجابي، وَلَكِن لِلأسَفِ فإن غالبي هَؤلاء يركزون عَلَى القشور، والأمور السطحية، بِحَيْثُ أصبحنا نرى نماذج من النَّاس حولنا، تثور من أجل قولك كَلِمَة بَسيطَة يظنون أنها مُخَالَفَة لِلْدينِ، مَع أنها فِي الحَقِيقَة مُخَالَفَة لما يعتقدون هم، ولا تثور لِمَنْ يقتل إنسانًا آخر، أوْ يستحل ماله، وحقوقه، ويغضبون بِشِدَّة لأنك لَمْ تقم بشعيرة مُعَيَّنَة لا تعد واجبًا، وينسون واجب التقدم، والتطور العلمي، ولا يفتحون فمهم ليقولوا عَنْهُ كَلِمَة وَاحِدَة.
ندرك أن العالم كُلهُ ارْتَبكَ واهتز أمام جائحة كورونا، وَحَتْى الدُّوَل المتطورة لَمْ تسلم مِنْهُ، وَمَع ذلِكَ نعلم علم اليقين أنهم يخوضون مَعْرَكَة البَحْث عَن علاج ناجع لَهُ، وسيصلون إلَيْهِ قريبًا، الـمُشْكِلَة فِي العالم الغربي أن الأبحاث فِي السَّنَوَات الأخيرة انحرفت إلى مَجَالات مربحة أكثر من غيرها، وما حَصَلَ سيجعلونهم يعيدون البوصلة لجعل الأبحاث تركز عَلَى مَجَالات أكثر نفعاً لِلْبَشَرِيَّة، وهَذَا ما أشار لَهُ عملاق مايكروسوفت بيل جيتس قبل سنوات.
الـمَطْلُوب من علماء الدين فِي هَذِهِ الـمَرْحَلَة توعية النَّاس، وَجَعَلَهُم ينضبطون وفق التعليمات الرسمية الَّتِي تصدر لَهُم حَتْى نصل إلى تحصين مجتمعنا من هَذِهِ الجائحة، وَعَلَى الـمَدَى البَعيد أن نجعل العلم، وَالبَحْث العلمي جزءًا من جَدْول تفكير العقل الـعربي وَالـمُسْلم الجمعي.
وبغير ذلِكَ لَنْ نتطور وَلَوْ قيد أنملة.