30-05-2020 04:21 PM
سرايا - بعد نجاحه الكبير وإدراجه في قائمة أفضل مسلسلات دراما رمضان 2020، وبعيدا عن الدراما، تساءل الجمهور: هل كانت وصية والد "رضوان البرنس" في المسلسل شرعية؟ أم أنه أخطأ في تقدير الموقف والظروف؟
حيث قامت أحداث مسلسل "البرنس" جميعها على شرارة كتابة الوالد لابنه "رضوان" وصية تتضمن كل ما يملك قبل وفاته بسبب حجود إخوته وسوء أخلاقهم، ثم أوصاه بأن يوزع هذا التركة على إخوته إذا انصلح حالهم وهو ما أدى إلى انتشار روح الكراهية بينهم التي تحولت إلى انتقامات اقتتال بين الأخوة.
ما الرأي الشرعي في تخصيص الوالد كل التركة لأحد الأبناء دون الآخرين؟
بداية، فرق الدكتور أحمد الشرقاوي، أستاذ الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، بين أمرين وهما "التصرف" و"الميراث" فكلمة ميراث لا تكون إلا بعد مفارقة الحياة، فنقول ميراث إذا توفى أحدهم نقول عنه مورث والتركة هي الميراث ومن يرث هو الوارث، وهذا ما لم يحدث في تلك الحالة، وما حدث هو تصرف أي بيع وشراء، فهو كتب كل ما يملك في حال حياته لابنه، يقول الشرقاوي إنه إذا كان قصد الأب بهذا التصرف الإضرار بأبنائه وأولاده وحرمانهم مما يترك ميراثًا لهم فهذا حرام شرعًا، لأنه ملزم شرعًا بالتسوية بين أبنائه، كما نقلت "مصراوي".
وأوضح الشرقاوي أن ما حدث في هذه الحالة هو "تصرف" لا ميراث، والبيع هنا صحيح والتصرف صحيح لأنه فعله في حال حياته وهو ما يجعل البيع والشراء صحيحًا، لكنه على الرغم من ذلك آثم شرعًا طالما يقصد الإضرار بأبنائه، وكونه أوكل ابنه مهمة توزيع هذه الأموال فيما بعد لا يقيه من الإثم، فلا يمكن الاعتماد على هذه الوصية لفساد الذمم، وأيضًا فالأبناء في هذه الحالة سيأخذون من أخيهم لا من أبيهم لأنها قانونا ملك لأخيهم لا أبيهم، "فما الذي يضمن أن يعطي لهم الأموال.. ممكن يتصلح حالهم ولا يعطيهم شيء؟".
وأكد الشرقاوي أنه من قبيل سد الذرائع لا يقبل هذا التصرف شرعًا لما فيه من الفساد والإفساد وتفرقة بين الأبناء وجلب المفاسد التي يمكن أن تولد الضغائن والأحقاد والمكائد بين الإخوة والأخوات.
"هذا الوالد عاص وآثم ومعاقب شرعًا"
تعلق سعاد صالح، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، على تصرف هذا الأب مؤكدة أن كتابة جميع الثروة لشخص واحد وحرمان البقية إثم شرعي، لأن الأصل أن يكون هناك عدالة في التوزيع بين الأبناء لقوله صلى الله عليه وسلم: اعدلوا بين أبنائكم –ثلاث-، وتستشهد سعاد صالح بقصة سيدنا يوسف وحب سيدنا يعقوب له أكثر من اخوته مما دفعهم للكيد لله وإلقائه في غيابات الجب وهم أنبياء وكان ذلك تفضيلًا معنويًا لا ماديًا، "فما بالنا بالتفضيل المادي الذي وصل إلى هذه المرحلة..فهذا الأب معاقب وإذا كانت قصة حقيقية هو معذب في قبره إلى أن تقوم الساعة".
حتى لو كان الأبناء عاصين، تقول سعاد صالح، لا يملك أحد أن يحرم أحدًا من الميراث لأنه من عند الله حيث قال: "يوصيكم الله" وقال: "فريضة من الله" فلا يملك بشر أيا كان أن يمنعه عن أحد إلا في حالة القتل أو الأختلاف في الدين ، أما فيما عدا ذلك فليس من حق أحد أن يمنع أحدا من حقه في الميراث.
وفي فتوى سابقة لدار الإفتاء المصرية المنشورة عبر موقعها الرسمي على الإنترنت بتاريخ 19 أكتوبر 2015م، حول حكم الحرمان من الميراث إذا كان الوارث عاقًا أفادت فيها أن المنع محظور شرعًا فلا يجوز معاقبة الابن العاق أو غيره من الورثة بالحرمان من حقهم في الإرث، وسردت دار الإفتاء بعض الأدلة على ذلك وهي:
أولًا: تفصيل التشريع في الميراث، بخلاف غيره من التشريعات بما يوحي عدم ترك التفصيل للاجتهاد: فتقسيم الميراث ذكره الله تعالى تفصيلًا؛ اهتمامًا بشأنه، ولم يكل تفصيله إلى غيره كما فعل ذلك في كثير من التشريعات.
ثانيًا: الانتقال الاضطراري للميراث، بمعنى أن المال ينتقل إلى الوارث دون اختياره، فالميراث ينتقل من المورث إلى الوارث بمجرد الوفاة، ولا يتوقف على إجراء آخر؛ لأنه ليس انتقال اختيار كالوصية والبيع والشراء، وإنما هو انتقال اضطراري.
ثالثًا: تقييد الوصية بالثلث، ولا وصية لوارث، فلو كان الأمر متروكًا للمورث ما قيِّدت وصيته بمثل هذا، بل كان الأمر موكولًا لصاحب المال.
رابعًا: تعلق حق الورثة بالمال بوجود مرض الموت، فلا يجوز له التصرف المطلق، حيث قال الإمام ابن قدامة: "وَمَنْ وَقَفَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، أَوْ قَالَ: هُوَ وَقْفٌ بَعْدَ مَوْتِي. وَلَمْ يَخْرُجْ مِنَ الثُّلُثِ، وُقِفَ مِنْهُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ، إلَّا أَنْ تُجِيزَ الْوَرَثَةُ"