08-06-2020 12:14 AM
بقلم : جليل الحديدي
عاصرت الشعوب الانسانية الكثير من الانظمة الاجتماعية التي توالت على حكمها و بفترات متفاوتة، فمنها مَنْ طال به الامد و بقي يصارع الحياة و بكل ما فيها من صخب و عوامل متقلبة، و منها مَنْ لم يدم به الامد إلا قليلاً، ولعل النظام الرأسمالي هو الابرز من بينها وقد استطاع أن يستمر في الصمود و دفع عجلة مسيرته إلى الأمام؛ وهذا يعود إلى عدة مقومات من بينها وجود المدارس التي تعمل على تغذية أسسه و تنشر أفكاره، فضلاً عن القوة التي تمكنه من البقاء، أيضاً القدرة الكبيرة التي تمده بكل ما أُوتيت من عدة و عدد تجعله يتربع على عرش السلطنة على كل الانظمة التي عاصرها أو التي جاءت بعد ولادته، فهذه المقدمات التي يتمتع بها هذا النظام لم تكن قادرة على بناء فهم اجتماعي متكامل للحياة، فقد عانى من صعوبات جمة و تجرع كأس الويلات ؛ بسبب قلة الفهم و غياب دور العقل فيه و اعتماد أسس غير كافية و لم تتمكن من وضع آلية فلسفية رصينة في نظرتها للحياة، فقد اتخذت من المصلحة الفردية الأساس الذي تنطلق منه لبناء الحياة و تغليبها على المصلحة العامة، و جعلتها الغاية الأساس التي تسعى لتحقيقها على ارض الواقع و بشتى الوسائل و الامكانيات، و فرض هيمنتها على غايات المجتمع، فهذه الاسباب و غيرها جعلت الرأسمالية تدخل في العديد من المنعطفات التي قادتها إلى الدهاليز المظلمة من حيث الفكر و الفهم الفلسفي للحياة فكانت النتائج غير متوقعة لدى الانصار و المدافعين عنه فأوجدت بينهم هوة لا يُستهان بها فرسمت حول أفكارها و نظرياتها هالة كبيرة و بقيت محتفظة بها ولا ترغب في المساس بها، وقد ظهرت على إثرها النزاعات و الصراعات العنصرية ولعل من أبرزها المعارك التي وقعت بين ضحايا هذا النظام من فقراء و ضعفاء و مضطهدين و بين انصار الكنسية التي سخرت الدين لمصالحها الخاصة و منافعها الشخصية التي لعبت دوراً مهما في مساندة و تقوية شوكة الرأسمالية من خلال استغلال الدين استغلالاً شنيعاً في وقتها، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل الطامة الكبرى أنها جعلت من اسمه أداة لتحقيق مآربها، و أغراضها الشخصية، فوقع ما لا يُحمد عقباه من جرائم و ظلم و اضطهاد و قتل للإنسانية تحت غطاء الدين، وفي هذا المجال فقد ظهرت العديد من الدراسات العلمية الموضوعية التي وضعت الرسمالية على طاولة الدراسة و البحث و التدقيق الموضوعي و النقد البناء لتخرج بالصورة الصحيحة الواقعية لشكل هذا النظام و تكشف حقيقة بناءه الأساس الذي قام عليه، ولعل من بين تلك الدراسات العلمية الموضوعية في وقتنا هذا ما صدر عن المفكر و الفيلسوف الصرخي من سلسلة بحوث فلسفية وتحت عنوان ( فلسفتنا بأسلوب و بيانٍ واضحٍ) تعرض فيه الباحث و المفكر الاستاذ إلى دراسة و تحليل واقع الانظمة الاجتماعية ومنها النظام الرأسمالي فقال فيها ص27 : ( ومن الواضح أن هذا النظام الاجتماعي نظام ماديُّ خالص أُخذ فيه الانسان منفصلاً عن مبدئه و آخرته، محدوداً بالجانب النفعي من حياته المادية، فإنه لم يبنَ على فلسفة مادية للحياة، ولا على دراسة مفصلة لها، ولا اعني بذلك أن العالم لم يكن فيه مدارس للفلسفة المادية و أنصار لها، بل كان فيه إقبال على النزعة المادية، فالحياة في الجو الاجتماعي لهذا النظام فصلت عن كل علاقة خارجة عن حدود المادة و المنفعة، ولكن لم يُهيأ لإقامة هذا النظام فهمٌ فلسفيٌّ كامل لعملية الفصل هذه ) .