15-06-2020 12:49 PM
سرايا - اثار مشهد صادم لحادث سير بين ثماني مركبات على الطريق الصحراوي، اعصاب الاردنيين، مخلفا اربعة وفيات لشباب واصابة تسعة عشرة اصابة، بعد ايام من قرار الحكومة بزيادة ساعات رفع حظر التجول. وما ان قررت الحكومة زيادة ساعات رفع حظر التجول، حتى عاد مسلسل حوادث السير المفجع على الشوارع وسط جدلية على من تقع المسؤولية، بعد ان تم تسجيل عدد وفيات في اسبوع واحد يقارب عدد المتوفين بجائحة كورونا خلال ثلاثة شهور ماضية. وقبل ثلاثة عقود من الزمان لم يكن الاردنيون يفجعون بضحايا السير، ولا حتى بكافة انواع الجرائم، فكانت حياتهم هادئة لا تعرف ضجيج المركبات المزدحمة بالشوارع والاحياء والبلدات. الجميل في ظل جائحة كورونا، جرب جيل اليوم من الشباب عيشة ابائهم قبل ثلاثة عقود، حيث اعتادوا العودة الى منازلهم مع غروب الشمس، والخروج في صباح اليوم التالي، دون وقوع حوادث سير وجرائم مختلفة تعكر صفوهم، ومع ذلك لا ينامون باكرا ولا يصحون باكرا.
وبعد فرض الحكومة مزيد من القيود وحظر التجول على المواطنين بفعل جائحة كورونا قرابة الشهرين ونيف، يدور حديث في اروقة صناع القرار والمواطنين حول جدوى هذه القيود بالحد من حوادث السير والجرائم المختلفة، وهل خفضت تلك الاجراءات من نسب وقوع الجنح والجرائم منذ بداية العام الى اليوم ؟.
ويقول المواطن معتصم الرواشدة، خلال جائحة كورونا فرضت الحكومة قيودا على الانتقال والحركة، ومنع الازدحام والتجمع في الاسواق ووسائط النقل والساحات ودور العبادة والصالات والمقاهي والملاعب ودور العرض والعمل عن بُعد، هذه الاوقات كانت سيئة بالنسبة للمجرمين وضعاف النفوس، للقيام بعمليات السطو والسرقات واقتحام البيوت. احصائية الجرائم المرتكبة في الاردن خلال خمس سنوات من (2014 إلى 2018)، بنوعيها الجنحوي والجنائي، بينت وقوع (128) ألف جريمة، فيما يتوقع مراقبون الى انخفاض عدد الجرائم خلال عام (2020)، اذا بقي هاجس كورونا ماثلا ولم يتوفر لقاح له يعيد الحياة الى طبيعتها.
ويقول عضو مجلس امني محمد سعيد العمري، ان التزام المواطنين بمنازلهم بموجب ساعات حظر التجول، اخفى حوادث الليل وسهرات قيس وليلى والمشاحنات بين الجيران والتسكع وسط ظلام الليل والجلوس على قارعة الشوارع، ويمكن القول انه خفض عدد الحوادث بشكل عام وجعلها في ادنى مستوياتها قياسا بالاعوام الماضية.
فرضت اجراءات حظر التجول انخفاظا كبيرا في حوادث السير في النصف الاول من العام الحالي، بعد ان اشارت إدارة السير في الامن العام، عن تسجيل (1346) حادث سير اوقع (34) حالة وفاة خلال الشهر الاول من العام (2020م)، فيما كان المعدل اليومي بالعام الماضي(2019)، (400) حادث سير يوميا في كافة انحاء الاردن.
ولعبت اجراءات حظر التجول والانتقال بين المحافظات الا بتصريح مرور، دورا في انخفاض قضايا المخدرات، فبعد ان لاحظت إدارة مكافحة المخدرات ارتفاعا في قضايا المخدرات في الاردن بداية العام الحالي (2020م) بتسجيل (2500) قضية ضبط فيها نحو (3600) شخص.
رغم افراج الحكومة عن الاف النزلاء بالسجون تخوفا من انتشار كورونا، تشير الاحصائيات الجرمية خلال النصف الاول من العام الحالي، الى انخفاض كبير في جرائم القتل من غير قصد، السرقة الجنحوية، الشروع بالسرقة، الاحتيال، سرقة السيارات، جرائم البغاء، الزنا، استثمار الوظيفة، المقاومة والاعتداء على الموظفين، الانتحار، المقامرة، مخالفة قانون الاثار، إطلاق العيارات النارية، والشروع بالقتل، والقتل مع سبق الإصرار (العمد)، القتل القصد، الضرب المفضي إلى الموت، الايذاء البليغ، الاغتصاب، هتك العرض، الخطف، الاجهاض، تزييف النقد، التزوير الجنائي، السرقة الجنائية، الاتفاق الجنائي، الرشوة، الاختلاس.
ويقول مختصون في علم الاجتماع، ان التزام الناس في بيوتهم خلال حظر التجول وامتثالهم للتباعد الجسدي جمد كثير من المشاكل والجرائم المجتمعية، لغياب الاستفزاز الوجداني الشعبي والتشتت الاسري ونظرية الصدفة في علم الجريمة والخوف من جائحة كورونا وزيادة معاني التسامح بين الناس.
ويعتقد مواطنون ان تقليص ساعات رفع الحظر اليومي لتبدأ من العاشرة ليلا الى السادسة صباحا وتطبيق نظام الفردي والزوجي للمركبات، سوف تلعب دورا في الحد من حوادث السير والجرائم المختلفة، خاصة ان اكساب الابدان الراحة المطلوبة يفضي الى جسم سليم واعصاب هادئة في الحركة والتصرف.
ويؤكد مراقبون، ان فعالية اجراءات حظر التجول، اتاحت مساحة اكبر للاجهزة الرسمية والامنية لمواجهة وباء كورونا، بعد ان ضعفت كثير من السلوكيات المجتمعية، التي كانت تؤرق المجتمعات من تعاطي المخدرات والسرقات والايذاء الجسدي والمشاجرات خلال سواد الليل، الذي تنتشر فيه الشياطين كما يقول الاباء وتدس وساوسها في نفوس الهائمين والمتسكعين في شجون خيالية وازقات مزوية. ويقول المواطن احمد الرشدان، ان من فوائد تطبيق حظر التجول، اصبحت حياتنا الاجتماعية والسلوكية اكثر التزاما وانضباطا واقل مشاكل، ولم يعد الوقت مكانا للمشاحنات والاختباء وراء الاسماء المشبوهة على شبكات التواصل الاجتماعي، فالجميع اصبح امام تحدي جديد وهو التكيف مع الواقع في ظل كورونا وما بعدها ولكن بدون جرائم.
خلال الشهور الثلاثة الماضية تكيف الاردنيون مع واقعهم المعاش بفعل قانون الدفاع، دون حوادث سير وجرائم مختلفة تثير الرأي العام، ولكن بعد ان فتحت الحكومة القطاعات واختصرت ساعات الحظر بالليل الدامس، فهل تزرع منظومة اجتماعية جديدة تشابه ما ساد قبل ثلاثة عقود بعيدا عن اوامر الدفاع ؟
"الرأي"