16-06-2020 11:16 AM
سرايا - «إرضاء الجميع أقرب للمهمة المستحيلة» … تلك العبارة هي وحدها التي يمكن الوقوف على عتبتها عند محاولة فهم المفارقة التي يؤسسها الوزير والبرلماني سابقاً والمعارض والحراكي لاحقاً في الأردن أمجد المجالي، بعد تداول عنيف في المنصات والمواقع لمقاله الذي يتحدث فيه عن الكومسيون السياسي، معلقاً على المسار الحالي لبرنامج مكافحة التهرب الضريبي والتحقق من حركة الأموال.
المداهمات الضريبية التي بررها وشرحها، أمس الأول، وزير المالية الدكتور محمد العسعس، تؤسس اليوم لما يسمى بعرف الدبلوماسية الأمريكية «الأردن الجديد».
يسأل الجميع دون استثناء عن هوية وخلفية مداهمات الضريبة التي قرعت كل أجراس السياسية في البلاد وحركت السياسيين وطبقاتهم للأسبوع السادس على التوالي.
شرح الوزير العسعس بالتفصيل برنامجه في السياق، وشرح الوزير الأسبق أمجد المجالي مفارقته التي توقف عندها معترضاً على ما سمّاه «الانتقائية» في ملاحقة لبعض وترك البعض الآخر، مشيراً إلى أنه لا يدافع عن أحد. ولكن يتوخى العدالة منتقداً القانون الحالي، ومطالباً بإصدار وإقرار قانون باسم «من أين لك هذا» يحاكم بموجبه كل الموسومين بالفساد دون أي استثناء، ويشمل الملفات القديمة والجديدة، بما فيها القروض الدولية بالأردن.
«من أين لك هذا» مجدداً… ومداهمات الضريبة تقرع الأجراس
المجالي وفي مقطع عرضي للجدل الذي تثيره في صفوف النخبة السياسية على جبهتي الولاء والمعارضة أو الاعتراض سلسلة المداهمات الأمنية للموصوفين اليوم من كبار المتهربين ضريبياً، كان للتو قد خرج من اجتماعات تشكيل مجلس الإنقاذ الوطني بخطابات عريضة تطالب باستعادة أموال الدولة.
وعندما قررت حكومة الرئيس الدكتور عمر الرزاز برنامجاً يبدو طموحاً لاستعادة جزء من أموال التهرب الضريبي، بدأ كثيرون يلاحظون وينتقدون على أساس الانتقائية وغياب العدالة والرغبة في الاشتباك ليس فقط مع المتهربين ضريبياً بل مع أسماء ورموز يعتقد الحراك فقط دون غيره أنها متورطة.
يريد قادة أو بعض قادة حراك الشارع التلويح بإدانة النهج وليس دعم عملية منهجية علمية تحقق جزءاً من الإصلاح المالي والاقتصادي، وهو الجزء الذي وصفه الوزير العسعس عدة مرات وهو يتحدث، بأنه خطوة في ضوء القانون أصلاً وفي الاتجاه السليم. تبدو الحماسة فاترة في الساحة للمداهمات الضريبية التي يصفق لها الجمهور، ويبدو أن تأخر العسعس ورفاقه في الشفافية والإفصاح أثار بعض الملاحظات والاشكالات في مواجهة مداهمات لا تنفي الحكومة نفسها أنها كان ينبغي أن تتعالج منذ سنوات طويلة. لا أحد في الأردن يعترض على استعادة مال الدولة في جزئية الضريبة.
لكن عدد المعترضين كبير وكثير حتى في طبقة رجال الدولة على الأسلوب والتوقيت وما يسميه المجالي «الانتقائية». ولا أحد في المقابل يريد أن يفهم بأن خطوة ما في الإصلاح المالي والضريبي تأتي متأخرة قد تكون أفضل من أن لا تأتي، وفي المقابل يبحث شعبيون يخاطبون غرائز الشارع فقط ليس عن إصلاح عميق متدرج، ولكن عن دراما خلف القضبان وعن روايات تصادق رواياتهم هم حول فساد من الصعب إثباته.
تغيير النهج في إدارة الدولة الأردنية مطلب مهم وشرعي، لكن تغييره على أساس إدانته وعلى أساس الاستسلام للغرائز والشعبويات سلوك لا يحظى بالإجماع، ويؤذي الجميع خلافاً؛ لأنه يسمح بتصفية حسابات شخصية أو شللية أو جهوية. ذلك طبعاً، وكما يلاحظ ناشطون كثر، لا يعني بأن خطوات مكافحات الفساد المالي مكتملة أو غير ناقصة أو لا تشوبها ملاحظات.
وذلك لا يعني أن تلك الخطوات مقنعة، وأن تفاصيلها غير منفلتة مجدداً، وإن كانت في المحصلة والختام خطوات أساسية في سياق برنامج طموح من العبث فقط إعاقته. والمطلوب بهذه الحالات مقاربة على أساس وطني لا تمس الثوابت ولا تعيق طموحات الإصلاح المالي الحكومية، ولا تجعل مسألة من وزن شفافية الدولة قيد التجريح والتشكيك السهل في المنابر وأوساط الشعبويات.
السؤال يصبح: «هل تأسيس هذه المقاربة ممكن؟». وأخذ رئيس الوزراء عمر الرزاز، بتصديه الشجاع إلى حد كبير
لملف كبار المتهربين ضريبياً، الجواب الأول على عاتقه.
أما الجواب الثاني فسجله الوزير العسعس عندما وضع خطة متكاملة لرفع كفاءة جهاز الضريبة تأخرت قليلاً لأغراض تأهيل وتدريب كادر ضريبي عصري متقدم. ولكنها خطوة صعدت الآن وأصبحت بمثابة الحدث، وانتقص قليلاً من أهميتها وهيبتها تلك الإكسسوارات البوليسية وسط ملاحظات لا بد من الإصغاء إليها تقول بأن نفس الأهداف كان يمكن للحكومة أن تحققها وتصل إليها دون إثارة أو ضجيج، ودون تسريب معلومات بين الحين والآخر عن الطابع الأمني للمداهمات الضريبية.
في كل حال، برنامج التهرب الضريبي ومطاردة المال الأسود بكل تعبيراته اللونية يصطدم اليوم بانفلات التفاصيل الإجرائية أحياناً، وبقدرات شبكة النافذين المتضررين جداً في الترويج والإثارة والرد والتشكيك والاتهام، فالحديث في النهاية عن مجموعة حيتان ورموز «بزنس» تمتعت شبكتهم أو إمبراطوريتهم طوال سنوات بتغذية وتسمين عنوانه التباطؤ والحسابات الصغيرة الرسمية، حيث مجدداً يلتهب الضرس فيحتاج الأردن الجديد إلى خلعه، وحيث وجع الصدام والارتطام بين برنامج رشيد في المتابعة المالية حظي بغطاء سياسي بوضوح، وبين شبكة نفوذ مستقرة في الواقع السياسي وحتى في أوساط بعض المؤسسات ومستحكمة في الواقع الإعلامي، وتحديداً المنصاتي والإلكتروني البرلماني، وسمح لها بذلك في الماضي.
"بسام بدارين - القدس العربي"