17-06-2020 03:30 PM
بقلم : د. دانييلا القرعان
نجحت الحكومة خلال أشهر سابقة في التوصل إلى تفاهم مبدئي مع صندوق النقد الدولي لبدء برنامج جديد مدته 4 سنوات، بإجمالي تسهيلات تصل إلى 1.3 مليار دولار مقسماً على 9 دفعات، وحسب تصريحات الحكومة فإن هذا البرنامج لا يشمل فرض ضرائب جديدة، وإنما زيادة في الإيرادات عبر مكافحة التهرب الضريبي والجمركي، وأوضح الجانبان الحكومة وصندوق النقد الدولي أنه تم تصميم أجندة للإصلاح الهيكلي من أجل تحسين مناخ الاستثمار وخفض التكاليف على الشركات والذي ينعكس إيجاباً على خلق فرص عمل، وسيزيد البرنامج حماية الفقراء من تحسين آليات الاستهداف وإيصال الدعم لمستحقيه.
تختلف أرقام "التهرب الضريبي"بين حين وآخر، فهنالك من يتحدث بأنها قد تصل إلى نحو ما يقارب 800 مليون دينار سنوياً وقد تقترب من المليار، ومن خلال هذه المبالغ المقدرة سنوياً فلو قمنا بحساب المتوسط 500 مليون دينار اي إننا نتحدث عن نصف مليار دينار، وكانت هذه المبالغ تضيع على خزينة الدولة في كل سنة وعلى مدار السنوات الماضية فلو تم تحصيلها كان قد تجنبنا الأضرار إلى الاستدامة بقروض داخلية وخارجية حتى وصل نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي نحو 100% وقد تزيد هذه النسبة، علاوة على ذلك خدمة الدين العام وعجز الموازنة.
"كيف تتم معالجة التهرب الضريبي" تتم معالجة التهرب الضريبي في عدة حكومات وما قد يسببه من نقص كبير في الإيرادات، بإن تقوم هذه الحكومات باللجوء إلى فرض مزيد من الضرائب أو زيادة قيمة هذه الضرائب، ونتيجة لذلك يدفع الملتزم ثمن التهرب والذي يزداد للأسف ثراء وفحشاً وتهرباً دون داعٍ.
"التهرب الضريبي قبل جائحة كورونا، وهل أثرت جائحة كورونا على التهرب الضريبي؟"، من المعلوم أن إجراءات الحكومة لمكافحة التهرب الضريبي والجمركي إجراءات تتسم بالمتشددة قبل تفشي فيروس كورونا، وبعد انتشار الجائحة لا ضير ان تكون هذه الجائحة سبباً للمزيد من التشديد على إجراءاتها السابقة قبل تفشي الفيروس، وتقوم الحكومة بحزمة من الإجراءات والمداهمات من أجل مكافحة ومحاربة متهربي الضرائب، فالتهرب الضريبي لا تعكس نتائجة السلبية على الاقتصاد الوطني فحسب، وإنما يمتد ليمس عضد العدالة الضريبية، وكما أنه يؤثر على التنافس الاستثماري وعلى صورة الأردن لدى المستثمرين، لذلك نقول أن إجراءات الحكومة قبل تفشي فيروس كورونا كانت متشددة ومع انتشار الفيروس أصبحت أكثر صرامة.
أما فيما يتعلق بالتهرب الضريبي في ظل جائحة كورونا، نلاحظ أن الشعار والمبدأ الذي بات نهجاً ومبدئأ لجميع حكومات الدول هو
"مبدأ الاعتماد على الذات " فهو يعتبر نهجاً وليس مجرد شعار تتبناه الحكومات، لذلك بات من الطبيعي لكل حكومات العالم أن تعتمد بالدرجة الأولى على ما تمتلكه من مخزون استراتيجي من الدواء والغذاء والمراهنة على الذات من خلال خلق فرص عمل، والانكفاء نحو السياحة الداخلية والخارجية، وحيث بات على جميع الدول بكل ما تملكه من إمكانيات أصبح لازماً عليها أن تحارب التهرب الضريبي والجمركي والفساد بكافة أشكاله، وغسيل الأموال والجرائم المنظمة وكل السلوكيات، بل وقد تعتبر جرائم يعاقب عليها القانون ضمن الجرائم الاقتصادية.
"مكافاة الملتزم ضريباً"، تحدث وزير المالية الدكتور محمد العسعس أنه لا بدَّ من نشر الثقافة الضريبية ومكافأة الملتزمين ضريبياً، وفي المقابل معاقبة المتهربين، وبذلك يصبح لدينا ثقافة التزام تمنح حوافز وامتيازات للأفراد والشركات الملتزمين سواء حوافز على هيئة خصومات أو سرعة صرف الرديات، ودائما عندما نتحدث عن الضريبة بشكل عام يجب علينا التحدث عن ضريبة الدخل وأقصد هنا "ضريبة المبيعات" التي يدفعها الفقير كما الغني سواء بسواء، حيث اقترح حاليا حتى وإن كنا في ظل جائحة كورونا الإلتزام بإعادة النظر فيها، بل يجب أيضا من خلال إعادة النظر في ضريبة المبيعات ان تكون ضمن الأولويات في تنشيط عملية الإقتصاد وتحفيز الطلب الاستهلاكي؛ لتنشيط الأسواق للمرحلة ما بعد الحظر وما بعد مرحلة الإغلاق التام لجميع القطاعات الاقتصادية والإنتاجية، وحيث أن أغلب الأسواق الاستهلاكية تعرضت للضرر نتيجة الإغلاق التام والحظر الشامل.
"التزامنا بعدم رفع الضريبة على المواطنين وبذات الوقت مكافحة التهرب الضريبي"، وأقول أن لا علاقة لأزمة كورونا بمكافحة التهرب الضريبي، ويجب على الحكومة أن تكون حريصة كل الحرص على إيجاد مناخ للعدالة الضريبة وتوزيع العبء الضريبي بشكل عادل، ويجب أن يكون هدف الحكومة هو معالجة التهرب الضريبي وليس رفع الضرائب على المواطنين، وأن تعمل على حفظ حقوق المستثمرين وشركائنا في القطاع الخاص وأن تقوم بعملية إصلاح ضريبي لا علاقة للسياسة به، وهذه المطالب التي أطالب بها جاءت تزامناً مع اعتماد الحكومة برنامجاً عالي المستوى للحد من التهرب الضريبي مؤكدة عدم نيتها رفع الضرائب، وتقوم الحكومة بعمليات مكثفة لمكافحة التهرب الضريبي من خلال التدريب ونقل الخبرات على مدار الشهور السابقة، موضحة أن الأردن يعتمد استراتيجية لتحقيق العدالة الضريبية وتحسين فرص التنافس الاستثماري.
"قانونية التهرب الضريبي"، وضحت الحكومة أن التهرب الضريبي يعامل معاملة غسيل الأموال، مشيرة إلى أن التجريم القانوني للتهرب كبير، وذلك لتلاعبه بالحسابات المالية، واتخذت الحكومة سبيل آخر من أجل تحقيق العدالة الضريبية وتوزيع العبء الضريبي بشكل عادل وهو سبيل المداهمات الضريبية للمواقع بعد عمليات تقصِّ واسعة.
بين مواجهة ومكافحة التهرب الضريبي ومطالبة ومعاقبة المتهرب ضريبياً وبعيداً عن التأويلات القانونية بين جنحة وجناية نجد أن التهرب الضريبي جاء في القانون السابق قبل التعديل رقم 34 لسنة 2014 في نص المادة 66 من قانون ضريبة الدخل، حيث بات هذا القانون سابق وكان بحاجة إلى التعديل بحيث أن المهرب سيسجن وغير المهرب سيطحن.
ومن خلال اسقراء القانون المعدل لقانون ضريبة الدخل رقم 38 لسنة 2018، فقد أدخل العديد من التعديلات على القانون السابق التي تتوافق مع عمليات التهرب الضريبي والحد منها وايجاد العدالة الضريبية.
نلاحظ أن غياب العدالة بكافة أشكالها ومنها العدالة الضريبية، تريد الاستطالة على القانون، لقد أُرهق الوطن والمواطن من كثرة التعديلات الضريبية، حيث بات الحديث عن التهرب الضريبي مضجراً، واتهام المواطن ومؤسساته بالتقصير متزايداً، فبات واقع المواطن مبكياً، وعلاقة ابناءة بحكومته محزناً، وتغيير تشريعاته وقوانينه مؤرقاً.
"التهرب الضريبي جريمة يعاقب عليها القانون"، اعتبرت معظم التشريعات الحديثة أن التهرب الضريبي أو الغش الضريبي جرائم يعاقب عليها القانون بعقوبة السجن أو الغرامة المالية وذلك حسب خطورة الجريمة، وتختلف هذه العقوبات من دولة إلى أخرى، وحيث أن هنالك بعض التشريعات لم تضع تعريفاً لجريمة التهرب الضريبي، وإنما اكتفت بذكر التصرفات التي يعاقب عليها القانون تطأ توافرت فيها جميع أركان جريمة التهرب، ونلاحظ للأسف ان هنالك ثغرات في ظل قانون الضريبة الأردني، بحيث تسمح للأفراد والشركات وبمساعدة الخبراء في الضريبة على التهرب بطريقة مشروعة، ويجب على المشرعين معالجة هذه الثغرات، إضافة إلى تخليص القانون من أية إعفاءات حتى يكون هنالك قانون أكثر وضوحاً وسهولة في التعامل من قبل الناس كافة.
نلاحظ أن هنالك حكومتين مرّتا على قانون ضريبة الدخل، وكانت هنالك أكثر من لجنة عملت على هذا القانون لكن نطرح السؤال هل كانت الحكومة السابقة تقصد بالدرجة الأولى جيوب المواطن من خلال فرض المزيد من الضرائب؟ وهل الحكومة الحالية والتي يترأسها دولة عمر الرزاز نجحت بالفعل في مكافحة عمليات التهرب الضريبي وإيجاد العدالة الضريبية بين الجميع؟ وهل حكومة الرزاز صادقة في وعودها في سد بعض الثغرات التي كانت في ظل الحكومة السابقة؟ وهل ستكون جميع عمليات المداهمة الضريبية للمواقع بعد عمليات التقصَّ تشمل الجميع دون إستثناء؟
نلاحظ أن الحكومتين عملتا على صياغة نص القانون لكن الذي فعّل هي حكومة دولة الرزاز..
د. دانييلا القرعان